أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (103)
وطه حسين عينه عمارة
رائداً للصحوة
رضوان
محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن طه حسين الذي عينه عمارة رائداً للصحوة الإسلامية
بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان
والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام
بالباطل,. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين
هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما
نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
· مناحي تفكير طه حسين وجهوده:
أولاً: العمل على نشر
الكفر والتشكيك في الدين ورموزه:
يعتبر
هذا المنحى هو الاتجاه الرئيس, ومحور جهده الأساس. فلا يكاد يخلو منه عمل من
أعماله , وقد أخذ هذا المنحى منه كل حياته , واستخدم له عدة وسائل:
1.
منها
تكذيب القرآن والتشكيك فيه.
2.
ومنها التشكيك في قضية البشارة بنبينا محمد صلى الله
عليه وسلم.
3.
ومنها
التشكيك في الدين.
4.
ومنها الغمز من الصحابة رضي الله عنهم.
5.
ومنها:
محاولة النيل من علماء الإسلام.
6.
ومنها:
امتداح الجاهلية.
وتتبع
هذه الوسائل كلِّها يحتاج إلى عمل مستقل؛ لذا سنقف مع القارئ على رؤوس أهم هذه
المسائل كتنبيهات لما وراء ذلك.
1-
تكذيب القرآن الكريم, والتشكيك فيه:
قال
طه حسين: [ للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل, وللقرآن أن يحدثنا عنهما
أيضاً, ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما
التاريخي, فضلاً عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى
مكة , ونشأة العرب المستعربة. ونحن مضطرون أن نرى في هذه القضية نوعاً من الحيلة
في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة, وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة
من جهة أخرى. وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو العصر الذي
أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية, ويبنون فيها المستعمرات. فنحن نعلم
أن حروباً عنيفة شبت بين هؤلاء اليهود المستعمرين وبين العرب الذين كانوا يقيمون
في هذه البلاد, وانتهت بشيء من المسالمة والملاينة, ونوع من المحالفة والمهادنة؛ فليس ببعيد أن يكون هذا الصلح الذي استقر
عليه الرأي بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأ هذه القصة التي تجعل العرب واليهود
أبناء أعمام؛ ولا سيما وقد رأى أولئك وهؤلاء أن بين الفريقين شيئاً من التشابه غير
قليل, فأولئك وهؤلاء ساميُّون ]([1]).
ثم يقول: [ وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد
لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح ]([2]).
وقد ثار الناس على الكتاب ومؤلِّفه, فقامت
الجامعة المصرية التي كان يرأسها أحمد لطفي السيد بشراء جميع نسخ الكتاب مكافأة
لطه, وتفادياً لغضب الشعب, وقام طه بإعادة طبع الكتاب بعنوان آخر هو (في الأدب
الجاهلي) شطب منه هذا الكفر, ولكنه ترك كمّاً كبيراً من الكفر الذي سنعرض له, حيث
يصف نفسه أنه من أنصار الجديد, ويصف أنصار الجديد بقوله: [ وأما أنصار الجديد...
لا يأخذون أنفسهم بإيمان ولا اطمئنان, أو هم لم يرزقوا هذا الإيمان والاطمئنان,
وقد خلق الله لهم عقولاً تجد في الشك لذَّة, وفي القلق والاضطراب رضاً ]([3]).
ثم
يقول: [ وهم قد ينتهون إلى تغيير التاريخ, أو ما اتفق الناس على أنه تاريخ, وهم قد
ينتهون إلى الشك في أشياء لم يكن يباح الشك فيها ]([4]).
ثم
يعزم طه على إظهار مذهبه ومنهجه بوضوح كما يزعم, فيقول:
[ ولأحدثك به في صراحة وأمانة وصدق, ولأتجنب في هذا الحديث الطرق التي
يسلكها المهرة من الكتّاب؛ ليدخلوا على الناس ما لم يألفوه في رفق وأناة وشيء من
الاحتياط كثير ]([5]).
وهو يشير إلى أولئك الذين
كانوا ينشرون الإلحاد بأسلوب خفيّ من أبناء مدرسته - المدرسة الماسونية- التي
أسَّسها جمال الدين ومحمد عبده.
وذلك الأسلوب الذي وصفه رفيقه في هذه المدرسة محمد فريد وجدي, حين قال: [
ولد
العلم الحديث, وما زال يجاهد القوى التي كانت تساوره, فتغلب عليها, ودالت الدولة
إليه في الأرض, فنظر نظرة في الأديان, وسرى عليها أسلوبه, فقذف بها جملة إلى عالم
الميثولوجيا (الأساطير), ثم أخذ يبحث في اشتقاق بعضها من بعض, واتصال أساطيرها
بعضها ببعض, فجعل من ذلك مجموعة تقرأ لا لتقدَّس تقديسا؛ ولكن ليعرف الباحثون منها
الصور الذهنية التي كان يستعبد لها الإنسان نفسه, ويقف على صيانتها جهوده غير
مدخِر في سبيلها روحه ولا ماله, وقد اتصل الشرق الإسلامي بالغرب منذ أكثر من مائة
سنة, فأخذ يرتشف من مناهله العلمية, ويقتبس من مدنيته المادية, فوقف فيما وقف على
هذه الميثولوجيا, ووجد دينه ماثلاً فيها, فلم ينبس بكلمة, لأنه يرى الأمر أكبر من
أن يحاول, ولكنه استبطن الإلحاد متيقناً أنه مصير إخوانه كافة متى وصلوا إلى درجته
العلمية, وقد نبغ في البلاد الإسلامية كتّاب وشعراء, وقفوا على هذه البحوث العلمية
فسحرتهم, فأخذوا يهيئون الأذهان لقبولها دسّاً في مقالاتهم وقصائدهم غير مصارحين
بها, غير أمثالهم تفادياً من أن يقاطعوا, أو ينفوا من الأرض ]([6]).
ولكن طه يرى أن مرحلة الدسِّ في المقالات
والصحف والقصائد دون مصارحة قد انتهت, ومضى زمنها, وأزف زمن المواجهة وإعلان
الإلحاد, وقد قرَّر هو في غير هذا الموضع أن أفكار قاسم أمين في تحرير المرأة
أصبحت رجعية, فهو يريد كفراً لا لبس فيه ولا التواء. كفراً ظاهراً للعيان, طالما
أنه مدعوم من الماسونية, ومن الإنجليز الذين يحكمون البلاد, ويسنده حزب الدستوريين
الذي يمثل عملاء الإنجليز, فأصبح لا يخشى المواجهة. لذا صرَّح بما صرَّح به من أن
ورود اسم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في القرآن لا يكفي لإثبات صحة وجود هذين
الرجلين. أي أن (أخبار القرآن كذب) , ولكن خاب فأل طه, وثار عليه الشعب والبرلمان
- وإن يكن ليس بالقدر المناسب - لمواجهة هذه الردَّة والكفر البواح.
وهذا الذي دفع بطه إلى سلوك أسلوب مدرسته الماسونية القديم, والعودة إلى
طريقة رفيقه محمد فريد وجدي, ولكن بأسلوب لا هو خفي, ولا بنفس الوقاحة الأولى.
فنراه يقول: [ وليس من
اليسير؛ بل ليس من الممكن أن نصدق أن القرآن كان جديداً كله على العرب؛ فلو كان
كذلك لما فهموه ولا وعوه, ولا آمن به بعضهم ]([7]).
وهو
يرمي من هذا إلى أن القرآن الكريم من وضع البشر, وكان شيءٌ منه معروفاً يتكلَّم به
الناس . ويتابع حول هذا فيقول:
[
أفتظن أن القرآن كان يُعنى هذه العناية كلها بتحريم الربا, والحث على الصدقة, وفرض
الزكاة لو لم تكن حياة العرب الاقتصادية الداخلية من الفساد والاضطراب؛ بحيث تدعو
إلى ذلك ]([8]).
ثم
يقول في نفس السياق: [ وفي الحق إن هذا ملائم كل الملائمة لما يمثِّله القرآن في
حياة العرب المتحضرين, وَمَنْ ذَكَرَ التجارة في الأمم القديمة فهو مضطر إلى أن
يذكر معها الربا والبخل والطمع والظلم.. ]([9]).
ويعني
طه أن القرآن الكريم حرَّم الربا والظلم لأنه كان شائعاً في جزيرة العرب, وما كان
القرآن ليهتم بهذا لولا أن هذه المساوئ كانت موجودة, وذلك ليصل إلى أن القرآن وضع
بشري, وينتهي إلى أن القرآن ثورة على الواقع فيقول: [ بل يدلّ القرآن على أكثر من
هذا يدل على أن الثورة التي جاء بها الإسلام لم تكن ثورة دين ليس غير, وإنما كانت
ثورة دين وسياسة واقتصاد ]([10]).
ثم
يخطو في طريق التشكيك في القرآن خطوة أكثر تدليساً وخداعاً وجرأة فيقول: [وهنا نصل
إلى مسألة عني بها الباحثون عن تاريخ القرآن من الفرنج, والمستشرقين خاصة, وهي
تأثير المصادر العربية الخالصة في القرآن. فقد كان هؤلاء الباحثون يرون أن القرآن
تأثر باليهودية والنصرانية ومذاهب أخرى بَيْن بَيْن, كانت شائعة في البلاد العربية
وما جاورها, ولكنهم رأوا أن يضيفوا إلى هذه المصادر مصدراً عربياً خالصاً,
والتمسوا هذا المصدر من شعر العرب الجاهليين, ولا سيما الذين كانوا يتحنَّفون
منهم, وزعم الأستاذ "كليمان هوار" في فصل طويل نشرته له المجلة الآسيوية
سنة 1904م أنه قد ظفر من ذلك بشيء قيِّم, واستكشف مصدراً جديداً من مصادر القرآن.
هذا الشيء القيم, وهذا المصدر الجديد هو شعر أمية بن أبي الصلت. وقد أطال الأستاذ
" هوار " في هذا البحث, وقارن بين هذا الشعر الذي ينسب إلى أمية بن أبي
الصلت, وبين آيات من القرآن, وانتهى من هذه المقارنة إلى نتيجتين:
الأولى: أن
هذا الشعر الذي ينسب لأمية بن أبي الصلت صحيح؛ لأن هناك فروقاً بين ما جاء فيه وما
جاء في القرآن من تفصيل بعض القصص.
ولو كان منحولاً لكانت المطابقة تامة بينه وبين القرآن. وإذا كان هذا الشعر
صحيحاً فيجب -في رأي الأستاذ هوار- أن يكون النبيّ قد استعان به قليلاً أو كثيراً
في نظم القرآن.
الثانية: أن
صحة هذا الشعر واستعانة النبي به في نظم القرآن قد حملتا المسلمين على محاربة شعر
أمية بن أبي الصلت, ومحوه ليستأثر القرآن بالجدة... ومع أني من أشد الناس إعجاباً
بالأستاذ "هوار" وبطائفة من أصحابه المستشرقين, وبما ينتهون إليه في
كثير من الأحيان من النتائج العلمية القيمة في تاريخ الأدب العربي, وبالمناهج التي
يتخذونها للبحث, فإني لا أستطيع أن أقرأ مثل هذا الفصل الذي أشرت إليه آنفاً دون
أن أعجب كيف يتورط العلماء أحياناً في مواقف لا صلة بينها وبين العلم.
وليس
يعنيني هنا أن يكون القرآن قد تأثر بشعر أمية أو لا يكون, فأنا لا أؤرخ للقرآن,
وأنا لا أتعرض للوحي وما يتصل به, ولا للصلة بين القرآن وما كان يتحدَّث به اليهود
والنصارى, كل ذلك لا يعنيني الآن, وإنما الذي يعنيني هو شعر أمية بن أبي الصلت
وأمثاله من الشعراء ]([11]).
فطه لا يعنيه أن يقول أستاذه الذي يحترمه, ويحترم أبحاثه العلمية التي
يصفها طه بأنها قيّمة, لا يعنيه أن يقول هذا الأستاذ: إن القرآن له مصادر, ومن هذه
المصادر: التوراة والإنجيل ومصادر أخرى منها شعر أمية بن أبي الصلت. وأن هذا لا
يعني طه؛ بل الذي يعنيه شعر أمية. وهو في هذا القول إما صادق أو كاذب. والأرجح أنه
كاذب؛ لأن سيرته كلها مليئة بالكذب؛ بل بالافتراء, وأنه يريد هذا القول, ويريد أن
يقوله, ولكن حتى يفرَّ من المسؤولية والتبعية. قاله على لسان أستاذه صاحب الأبحاث
القيمة -كما يقول طه-.
وإما
أن يكون صادقاً, فالذي لا يهتم لهذا ولا يعنيه هذا فلا شك أنه ليس من المسلمين,
ولا هو من الإسلام في شيء.
فإذا
كان كتاب الإسلام لا يعنيه أن يكون وحياً من الله, أو من وضع البشر -إذا كان هذا
لا يعنيه- فكيف يمكن أن يكون مسلماً؟؛ أهو منافق؟ أم لا ديني؟ أم هندوكي؟ أم بوذي؟
أم زرادشتي. أم أنه على الحقيقة من المدرسة الماسونية التي تبدأ في اللادينية , وتنتهي باليهودية فكراً, وليس
انتساباً, لأن اليهود لا يقبلون في دينهم أمثال هؤلاء -ويطلقون عليهم الحجر
الغشيم, العميان, الحمير الصغار-؛ بل يركبوا عليهم لتحقيق غاياتهم ثم يتبرأون
منهم, كما يتبرأ الشيطان من أتباعه يوم القيامة.
ويقول
عنه أنور الجندي: [ ولا ريب أن طه حسين كان يهدف إلى كسر القداسة القرآنية, وجعل
القرآن موضع نقد فني أدبي... ويتصل بهذا رأي طه حسين في الدين جملة. يقول -أي طه-:
(ظهر تناقض كبير بين نصوص الكتب الدينية وما وصل إليه العلم من النظريات
والقوانين. فالدين حين يثبت وجود الله ونبوءة الأنبياء يثبت أمرين لم يعترف بهما
العلم, فالعالم الحقيقي ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة, وكما ينظر إلى الفقه,
وكما ينظر إلى اللباس, من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود
الجماعة, وإذن نصل إلى أن الدين في نظر العلم لم ينزل من السماء, ولم يهبط به
الوحي, وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها).
وهذا
هو مقطع الرأي في عقيدة طه حسين, ونظرته إلى الدين الإسلامي بعامة, والقرآن بخاصة,
ومن أجل هذا فهو يقول في كتابه مستقبل الثقافة: (الدين الإسلامي يجب أن يعلم فقط
كجزء من التاريخ القومي, لا كدين إلهي منزل بين الشرائع للبشر, فالقوانين الدينية
لم تعد تصلح في الحضارة الحديثة كأساس للأخلاق والأحكام, ولذلك لا يجوز أن يبقى
الإسلام في صميم الحياة السياسية, أو أن يتخذ كمنطلق لتجديد الأمة, فالأمة تتجدد
بمعزل عن الدين) ]([12]).
ويقول
طه: [ وإذن القرآن بعبارة أخرى دين محليّ لا إنسانيّ عالميّ, قيمه وخطره في هذه
المحليَّة وحدها, قال به صاحبه متأثراً بحياته التي عاشها وعاش فيها, ولذلك يعبّر
تعبيراً صادقاً عن هذه الحياة. أما أنه يمثل غير الحياة العربية, أو يرسم هدفاً
عاماً للإنسانية فليس ذلك بحق. إنه دين بشري, وليس وحياً إلهياً, قاله صاحبه لقوم
معينين, ولذلك تجاوبوا معه, أو قاموا ضده, ولو أن صاحبه قاله في جماعة أخرى لما
حفل به أحد, لأن ما يقوله فيه لا يتصل عندئذ بحياة الجماعة الأخرى في قليل أو كثير
]([13]).
ولكلِّ
هذا كان طه حانقاً مغضَباً من الدستور المصري؛ لأن فيه مادة: (دين الدولة
الإسلام) فيقول في ذلك: [ لم أكن في
اللجنة التي وضعت الدستور القديم, ولم أكن بين الذين وضعوا الدستور الجديد, ولم
يستشرني أولئك ولا هؤلاء في هذا النص الذي اشتمل عليه الدستور الذي يعلن أن للدولة
المصرية ديناً رسمياً هو الإسلام. ولو استشارني أولئك أو هؤلاء لطلبت إليهم أن
يتدبروا, وأن يفكروا قبل أن يضعوا هذا النص في الدستور ]([14]).
0 التعليقات:
إرسال تعليق