الزاد في تحقيق كتاب
الجهاد
رضوان
محمود نموس
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره
ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
( يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
( يَاأَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا )
( يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ).
وإن خير الكلام كلام الله، وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه
وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في النار، أجارنا الله
والمسلمين منها، ومن مسبباتها، ودواعيها ودعاتها أما بعد .
كنت قد عزمت على تحقيق كتاب
الجهاد للإمام ابن تيمية رحمه الله منذ أمد بعيد عندما كنت في أرض الجهاد في
أفغانستان, ولكثرة المشاغل كلفت الأخ الفاضل (زبير بن علي زي) الباكستاني وقام
بتخريج وتحقيق الأحاديث مشكوراً, ولم يتح في ذاك الوقت طبعه وإخراجه, وكان الأخ
الزبير لا يعتمد على تحقيق الأئمة المعاصرين كأحمد شاكر والألباني رحمهم الله ولا
الشيخ الأرنؤوط ولا غيره وكان متشدداً في التخريج والحكم على الحديث, ثم راجعت
التحقيق مراراً فأعدت العمل فيه مستفيداً مما صنعه الأخ الزبير وأضفت الفوائد من
أعمال الأئمة المعاصرين, كما قمت بشرح الغريب والتعريف ببعض الأماكن والمصطلحات
والتعليقات التي رأيتها من الممكن أن تثري الموضوع, ولم أعرج على ترجمة الإمام ابن
تيمية لإنني أرى أن اسمه كاف في التعريف به ولا يخفى القمر. والله من وراء القصد
وأبدأ بالتحقيق مستعيناً بالله العظيم.
مجموع
الفتاوى الْجُزْءُ الْثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ
كِتَابُ
الفِقْهِ الْجُزْءُ الثَّامِنُ: الْجِهَادُ
بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُئِلَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -:
عَنْ
الْحَدِيثِ وَهُوَ: {حَرْسُ لَيْلَةٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ
عَمَلِ رَجُلٍ فِي أَهْلِهِ أَلْفَ سَنَةٍ}([1])
وَعَنْ سُكْنَى مَكَّةَ وَالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ وَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ
عَلَى نِيَّةِ الْعِبَادَةِ وَالِانْقِطَاعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَالسُّكْنَى بِدِمْيَاطَ
وَإِسْكَنْدَرِيَّة وَطَرَابُلُسَ([2])
عَلَى نِيَّةِ الرِّبَاطِ: أَيُّهُمْ أَفْضَلُ؟
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ
لِلَّهِ، بَلْ الْمُقَامُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ الشَّامِيَّةِ
وَالْمِصْرِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ,
وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا نِزَاعًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى
ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّبُطَ مِنْ جِنْسِ
الْجِهَادِ وَالْمُجَاوَرَةُ غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ؛ كَمَا
قَالَ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ } [التوبة: 19]. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ {سُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ
أَفْضَلُ: قَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ:
ثُمَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ}([3]).
وَقَدْ رُوِيَ: " {غَزْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ
حَجَّةً}([4]).
" وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " {رِبَاطُ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ
مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ مُجَاهِدًا وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ
وَأَمِنَ الْفَتَّانَ}([5]).
وَفِي
السُّنَنِ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: " {رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ}([6])
": وَهَذَا قَالَهُ عُثْمَانُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ تَبْلِيغًا لِلسُّنَّةِ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {لَأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ}([7]).
وَفَضَائِلُ الرِّبَاطِ وَالْحَرْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرَةٌ لَا تَسَعُهَا
هَذِهِ الْوَرَقَةُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ([8]).
الْمَسْئُولُ
مِنْ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ الْقَادَةِ الْفُضَلَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
أَنْ
يُخْبِرُونَا بِفَضَائِلِ الرَّمْيِ وَتَعْلِيمِهِ؛ وَمَا وَرَدَ فِيمَنْ تَرَكَهُ
بَعْدَ تَعَلُّمِهِ؛ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ أَوْ الطَّعْنُ
بِالرُّمْحِ؟ أَوْ الضَّرْبُ بِالسَّيْفِ؟ وَهَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِلْمٌ
يَخْتَصُّ بِهِ وَمَحَلٌّ يَلِيقُ بِهِ؟ . وَإِذَا عَلَّمَ رَجُلٌ رَجُلًا
الرَّمْيَ أَوْ الطَّعْنَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَحَدَ تَعْلِيمَهُ؛ وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ
وَانْتَمَى إلَيْهِ: هَلْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قَالَ قَائِلٌ
لِهَذَا الْمُنْتَقِلِ: أَنْتَ مَهْدُورٌ أَوْ تُقْتَلُ: أَثِمَ بِذَلِكَ أَمْ
لَا؟ وَإِنْ زَادَ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ لَقِيطٌ أَوْ وَلَدُ زِنَا: يُعَدُّ
قَذْفًا وَيُحَدُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ . وَهَلْ يَحِلُّ لِلْأُسْتَاذِ الثَّانِي
أَنْ يَقْبَلَ هَذَا الْمُنْتَقِلَ وَيُعَزِّرَهُ عَلَى جَحْدِهِ لِمُعَلِّمِهِ؟
وَإِذَا قَالَ الْمُنْتَقِلُ: أَنَا أَنْتَمِي إلَى فُلَانٍ تَعْلِيمًا
وَتَخْرِيجًا وَإِلَى فُلَانٍ إفَادَةً وَتَفْهِيمًا: هَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ
أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِلْمُبْتَدِئِ أَنْ يَقُومَ فِي وَسَطِ جَمَاعَةٍ مِنْ
الْأُسْتَاذَيْنِ والمتعلمين وَيَقُولَ: يَا جَمَاعَةَ الْخَيْرِ أَسْأَلُ اللَّهَ
تَعَالَى وَأَسْأَلُكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا فُلَانًا أَنْ يَقْبَلَنِي أَنْ أَكُونَ
لَهُ أَخًا أَوْ رَفِيقًا أَوْ غُلَامًا أَوْ تِلْمِيذًا أَوْ مَا أَشْبَهَ
ذَلِكَ؛ فَيَقُومَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ فَيَأْخُذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ
وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُهُ وَيَشُدَّ وَسَطَهُ بِمَنْدِيلِ أَوْ
غَيْرِهِ: فَهَلْ يَسُوغُ هَذَا الْفِعْلُ أَمْ لَا؟ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ
مِنْ الْمُحَامَاةِ وَالْعَصَبِيَّةِ لِأُسْتَاذِ؛ بِحَيْثُ يَصِيرُ لِكُلِّ مِنْ
الْأُسْتَاذَيْنِ إخْوَانٌ وَرُفَقَاءُ وَأَحْزَابٌ وَتَلَامِذَةٌ يَقُومُونَ مَعَهُ
إذَا قَامَ بِحَقِّ أَوْ بَاطِلٍ وَيُعَادُونَ مَنْ عَادَاهُ وَيُوَالُونَ مَنْ
وَالَاهُ. وَهَلْ إذَا اجْتَمَعُوا لِلرَّمْيِ عَلَى رَهْنٍ هَلْ يَحِلُّ أَمْ
لَا؟ وَهَلْ يَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الْأُسْتَاذِ إذَا فَعَلَ التَّلَامِذَةُ مَا
لَا يَحِلُّ فِي الدِّينِ وَيُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهَلْ إذَا شَدَّ
الْمُعَلِّمُ لِلتِّلْمِيذِ وَحَصَلَ بِذَلِكَ هِبَةٌ وَكَرَامَةٌ - وَجَمِيعُ
ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ يَرْجِعُ إلَى الْأُسْتَاذِ - يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ أَمْ
لَا؟ وَهَلْ لِلْأُسْتَاذِ أَنْ يَقْبَلَ أُجْرَةً أَوْ هِبَةً أَوْ هَدِيَّةً؟
فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ تَلْحَقُهُ كُلْفَةٌ مِنْ آلَاتٍ وَغَيْرِهَا. أَفْتُونَا
مَأْجُورِينَ وَأَرْشِدُونَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ أَجْمَعِينَ.
فَأَجَابَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّمْيُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالطَّعْنُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ. وَالضَّرْبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ
اللَّهُ تَعَالَى: بِهِ وَرَسُولُهُ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّلَاثَةَ
فَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ
حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] وَقَالَ
تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}
[الأنفال: 12] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ
وَرِمَاحُكُمْ } [المائدة: 94] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ
اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ} [الأنفال: 60] وَقَدْ ثَبَتَ
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: "
{أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ
الْقُوَّةَ الرَّمْيُ}([9]).
وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ:
" {ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا
وَمَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَيْسَ مِنَّا}([10]).
وَفِي رِوَايَةٍ: " {وَمَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ نَسِيَهُ فَهِيَ
نِعْمَةٌ جَحَدَهَا}([11]).
وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "
{كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ إلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ
وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ. فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ}([12]) .
وَقَالَ: " {سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمْ اللَّهُ فَلَا
يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ}([13]).
وَقَالَ مَكْحُولٌ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى الشَّامِ: أَنْ عَلِّمُوا
أَوْلَادَكُمْ الرَّمْيَ وَالْفُرُوسِيَّةَ([14]).
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: " {ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا}([15]).
{وَمَرَّ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ([16])
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ
أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ فَأَمْسَكَ أَحَدُ
الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ: مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ
نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ فَقَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ}([17]).
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {نَثَلَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي نَفَضَ كِنَانَتَهُ يَوْمَ
أُحُدٍ - وَقَالَ: ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي}([18]).
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: {مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدِ إلَّا لِسَعْدِ: قَالَ لَهُ: ارْمِ
سَعْدُ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي}([19]).
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " {لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةٍ}([20])
{وكَانَ إذَا كَانَ فِي الْجَيْشِ جَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ
فَقَالَ: نَفْسِي لِنَفْسِك الْفِدَاءُ وَوَجْهِي لِوَجْهِك الْوِقَاءُ}([21]).
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ السَّيْفُ
وَالْقَوْسُ وَالرُّمْحُ([22]).
وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
{مَنْ
رَمَى بِسَهْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - بَلَغَ الْعَدُوَّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ -
كَانَتْ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ}([23])
. وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
" {إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ
الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ؛ وَالرَّامِيَ بِهِ
وَالْمُمِدَّ بِهِ}([24]).
وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ هِيَ أَعْمَالُ الْجِهَادِ وَالْجِهَادُ
أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ وَتَطَوُّعُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ
الْحَجِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ
وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19] {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ
دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20]
{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا
نَعِيمٌ مُقِيمٌ } [التوبة: 21] {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 22]. وَفِي الصَّحِيحِ {أَنَّ رَجُلًا قَالَ:
لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ أَعْمُرَ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْجِهَادُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ إذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ سَأَلْته عَنْ ذَلِكَ.
فَسَأَلَهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ}([25])
فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْجِهَادَ أَفْضَلُ مِنْ عِمَارَةِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالطَّوَافِ وَمِنْ
الْإِحْسَانِ
إلَى الْحُجَّاجِ بِالسِّقَايَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ
مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْد الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ([26]).
وَلِهَذَا كَانَ الرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ أَفْضَلَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ
بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْعَمَلُ بِالرُّمْحِ وَالْقَوْسِ فِي الثُّغُورِ
أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ الْبَعِيدَةِ مِنْ
الْعَدُوِّ فَهُوَ نَظِيرُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {إنَّ فِي
الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي
سَبِيلِهِ}([27]).
وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ كُلٌّ مِنْهَا لَهُ مَحَلٌّ يَلِيقُ بِهِ هُوَ أَفْضَلُ
فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فَالسَّيْفُ عِنْدَ مُوَاصَلَةِ الْعَدُوِّ وَالطَّعْنُ
عِنْدَ مُقَارَبَتِهِ وَالرَّمْيُ عِنْدَ بُعْدِهِ أَوْ عِنْدَ الْحَائِلِ
كَالنَّهْرِ وَالْحِصْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَكُلَّمَا كَانَ أَنْكَى فِي
الْعَدُوِّ وَأَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَهَذَا يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْعَدُوِّ وَبِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُجَاهِدِينَ فِي
الْعَدُوِّ. وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الرَّمْيُ فِيهِ أَنْفَعَ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ
الطَّعْنُ فِيهِ أَنْفَعَ. وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ الْمُقَاتِلُونَ.
يتبع إن شاء الله
[1] - الحديث إسناده ضعيف
جداً ، رواه ابن ماجه ( 2770 ) ، وأبو يعلى الموصلي ( 7/ 267 – ح / 4283 ) ، وابن
حبان في المجروحين ( 1/ 317 ) ، والعقيلي في الضعفاء ( 149 ) . كلهم من طريق سعيد
بن خالد بن أبي طويل القرشي عن أنس بن مالك رضي الله عنه به مرفوعاً .
ولفظ أبي يعلى : { من حرس ليلة على
ساحل البحر كان أفضل من عبادة رجل في أهله ألف سنة ؛ السنة ثلاث مائة وستون يوماً
؛ كل يوم ألف سنة } . وسعيد بن خالد منكر الحديث كما في تقريب التهذيب ( 1/ 293 )
وغيره ، وقال عنه الألباني في سلسلة
الأحاديث الضعيفة والموضوعة : موضوع . ( 3/ 380 – ح / 1234 ) .
وللحديث
شاهد من حديث عثمان رضي الله عنه رواه أحمد ( 1/ 61، 65 ) ، والحاكم ( 2/ 81 )
وصحَّحه ، والطبراني في المعجم الكبير ( 1/ 91 ) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (
6/ 215 ) ، والبيهقي في شعب الإيمان ( (6/
98) برقم 3929)، ولفظ أحمد : { حَرَس ليلة
في سبيل الله تعالى أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها } ( 1/ 61 ) ،
وإسناده ضعيف . فيه مصعب بن ثابت : ليِّن الحديث ، وكان عابداً كما في تقريب
التهذيب ( 2/ 251 ) ، كما ضعَّفه الألباني في السلسلة الضعيفة ( 3/ 381 ) ، وضعيف الجامع
( ح / 3703 )
[2] - دمياط: ثغر من ثغور الإسلام , وهو مدينة مشهورة في الإقليم
المصري على ساحل البحر الأبيض عند فرع الدلتا الشرقي (فرع نهر النيل الشرقي عندما
يصب في البحر ) , وقد حصلت فيها معارك حاسمة بين المسلمين والصليبيين انتصر فيها
المسلمون , وكان الشيخ العز بن عبد السلام ممن حضر هذه المعارك .
- الإسكندرية : وهي ميناء مصر الرئيس على البحر الأبيض يقع إلى الغرب من
القاهرة وكان ولا يزال ثغراً من أهم ثغور المسلمين البحرية .
- طرابلس : وهي ثغر في البلاد الشامية على ساحل البحر الأبيض وبعد تقسيم
بلاد المسلمين إلى دويلات أصبح هذا الثغر ضمن دويلة لبنان وما زال من أهم ثغور
الإسلام .
[4] - لم أقف عليه بهذا اللفظ ، وقد ورد في مسند الحارث : حدثنا داود
بن المحبر ثنا عباد بن كثير عن محمد بن عجلان رفعه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه
{ من شيَّع غزاة في سبيل الله حتى ينزلوا فيبيت معهم حتى يرتحلوا متوجهين في
الجهاد ، ويقبل هو حتى يأتي أهله ، كان له أجر سبعين حجة ...... } ( 2/ 649 - ح / 624 ) ، وهو حديث ضعيف جداً : فداود : هالك
، وعبّاد : ضعيف ، ومحمد بن عجلان : سيئ الحفظ . وقد جاءت روايات ضعيفة مشابهة ،
فروى ابن أبي شيبة في مصنفه { غزوة في سبيل الله أفضل من عشر حجج لمن قد حج } ( 4/
208 ) ، وروي { غزوة لمن قد حج أفضل من أربعين حجة } ، ضعّفه الألباني في ضعيف
الجامع بأرقام ( 2689 ، 2690 ، 2691 ) .
[5] - حديث صحيح : رواه مسلم برقم ( 1913 )
[6] - حديث حسن : رواه الترمذي ( 4/ 190
– ح / 1667) ، والنسائي ( 6/ 40) ، وأحمد ( 1/ 65، 75)، والدارمي ( 2/ 211) ،
والبيهقي ( 9 / 38 ، 39 ) ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب . وصحَّحه
الحاكم ( 2/ 143 ) ، ووافقه الذهبي ، وصحَّحه ابن حبان ( 8/ 64 – ح / 4590 ) .
[7] - حديث صحيح : رواه سعيد بن منصور في سننه ( 2/ 159 – ح / 2410 )
بلفظ : { رباط يوم في سبيل الله أحب إليّ من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين
... } الخ . وإسناده ضعيف جداً ، كما رواه ابن حبان في صحيحه ( 8/ 61 – ح / 4584 )
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ :
{ موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام
ليلة القدر عند الحجر الأسود } ، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع ( 6512 ) ، وفي
الصحيحة ( 1068 ) ،.
[8] - قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] .قال الحسن وقتادة وغيرهما: معناه: رابطوا في سبيل
الله أخرجه عن الحسن وقتادة: ابن جرير في «التفسير»
(3/221) ، وابن المبارك في «كتاب الجهاد» (رقم 170 و171) . فعن الحسن قال: أمرهم أن يصبروا على دينهم، ولا يدعوه لشدَّة
ولا رخاء، ولا سرَّاء ولا ضرَّاء، وأمرهم أن يصابروا الكفار، وأن يرابطوا
المشركين. ونحوه عند ابن أبي حاتم (3/847- 848) ، وعبد بن حميد (ق 101- «المنتخب»
) ، وابن المنذر (2/543 رقم 1291) في «تفاسيرهم» ، وانظر: «الدر المنثور» (2/418)
.
والرّباط عمل
من أعمال الجهاد، مختصٌّ بحراسة المسلمين في الثغور، وملازمتها لذلك، وهو من أفضل
العبادات، والأجر فيه على قدر الخوف في ذلك الثغر، وحاجة من فيه من المسلمين إلى
ذلك. وروى البخاري في صحيحه (4/ 35) 2892عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا
عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا
وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ
الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»
وخرَّج أبو
داود في «سننه» في كتاب الجهاد (بابٌ في فضل الرباط) (رقم 2500) من طريق أبي هانئ،
عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عُبيد، ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«كل الميت يُختم على عمله، إلا المرابط؛ فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن
من فَتَّان القبر» وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (2414) ، وأبو عوانة في «صحيحه»
وغيرهم كثير وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» . ووافقه
الذهبي.
وانظر «صحيح
سنن أبي داود» للشيخ الألباني -رحمه الله تعالى.
ورُوي عن عبد
الله بن عمر، في تفضيل الرِّباط، أنه قال: «فُرِضَ الجهادُ لِسفْكِ دماءِ
المشركين، والرباط لحقنِ دماء المسلمين، فَحقْنُ دماءِ المسلمين أحبُّ إليَّ من
سفكِ دماءِ المشركين» انظر: «النوادر والزيادات» (3/14)
، و «البيان والتحصيل» (2/522) .
وقال النووي
في شرحه على مسلم (13/ 61) هَذِهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُرَابِطِ وَجَرَيَانُ
عَمَلِهِ عليه بَعْدَ مَوْتِهِ فَضِيلَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا
أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى
عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يُنَمَّى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمَ
الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ) مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون
وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ
الْجَنَّةِ .
[9] - حديث صحيح : رواه مسلم برقم ( 1917 ) ، والترمذي برقم ( 3083 )
، وأبو داود برقم
( 2514) ، وأحمد ( 4/ 157) ، وغيرهم .
[10] - خرجه أحمد في المسند ط الرسالة (28/ 532) 17300 والترمذي وابن
ماجة وغيرهم ورواية المسند
عَنْ عُقْبَةَ
بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ الثَّلَاثَةَ بِالسَّهْمِ
الْوَاحِدِ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ،
وَالْمُمِدَّ بِهِ، وَالرَّامِيَ بِهِ "
وَقَالَ:
" ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
تَرْكَبُوا " كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو
بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَةَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ
فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ. وَمَنْ
نَسِيَ الرَّمْيَ بَعْدَمَا عُلِّمَهُ، فَقَدْ كَفَرَ الَّذِي عُلِّمَهُ "
وقال محققوا
المسند حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده، وساقوا تحقيقاً مطولاً لكل الطرق فليرجع
إليه من شاء وأما قوله وَمَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَيْسَ مِنَّا
فلم أجدها بهذا اللفظ إنما جاء في صحيح مسلم { من عَلِمَ الرمي ثم تركه فليس منا
أو قد عصى } برقم ( 1919 ).
[11] - حديث حسن : وأما القسم الأول { وارموا واركبوا ، وأن ترموا ....
} : فقد رواه أبو داود برقم ( 2513 ) ، والنسائي برقم ( 3587 ) ، والترمذي برقم (
1637 ) ، وابن ماجه برقم ( 2811 ) ، وأحمد برقم ( 16849 ) ، والدارمي برقم ( 2405
) . بروايات متقاربة نذكر منها رواية النسائي : قال : أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن
مجالد قال حدثنا عيسى بن يونس عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني أبو سلام
الدمشقي عن خالد بن يزيد الجهني قال : كان عقبة بن عامر رضي الله عنه يمرّ بي
فيقول : يا خالد اخرج بنا نرمي , فلما كان ذات يوم أبطأت عنه , فقال : يا خالد
تعال أخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأتيته , فقال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : { إن الله يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه
يحتسب في صنعه الخير , والرامي به , ومنبله , وارموا واركبوا , وأن ترموا أحب إلي
من أن تركبوا , وليس اللهو إلا في ثلاثة : تأديب الرجل فرسه , وملاعبته امرأته ,
ورميه بقوسه ونبله , ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها أو قال
كفر بها} ، وجاء في روايات أخرى في السنن ألفاظ أخرى { فقد عصاني – فقد عصى – نعمة
كفرها } ، وفي المعجم الصغير للطبراني ( 1/ 328- رقم / 543 ) : حدثنا علي بن جبلة
الكاتب البغدادي بأصبهان حدثنا الحسن بن بشر البجلي حدثنا قيس بن الربيع عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من تعلم الرمي ثم نسيه
فهي نعمة جحدها } . والحديث الذي في السنن لا ينزل عن رتبة الحسن ؛ فكل رواته ثقات
إلا خالد بن يزيد الجهني : لم يوثقه إلا ابن حبان .
وحديث ابن ماجه وأحمد : من طريق أبي
بكر بن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلام عن عبد الله بن الأزرق عن عقبة بن عامر الجهني ....... وكل رواته ثقات أيضاً إلا عبد الله بن الأزرق :
لم يوثقه إلا ابن حبان .
[13] - صحيح : رواه مسلم برقم ( 1918 ) .
[14] - - حديث حسن لغيره : قال في خلاصة البدر المنير ( 2/ 408- ح /
2775 ) : أثر عمر :
[ علموا أولادكم الرمي ] غريب . ولكن أخرجه الجارود ( 1/ 242 – رقم / 964 ) ،
وابن حبان في صحيحه ( 13/ 401 – رقم / 6037 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 10/ 14
) ، وأحمد برقم ( 325 ) ، كلهم بهذا الإسناد عن سفيان وهو الثوري عن عبد الرحمن بن
عياش عن حكيم بن حكيم عند أبي أمامة بن سهل قال : ثم كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي
عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: [ أن علموا غلمانكم العـَوْم ومقاتلتكم الرمي ] .
وهو سند حسن إن شاء الله .
[16] - يَنْتَضِلُون : أي يَرتَمُون بالسِّهام , يقال : انْتَضل القَوم
وتَناضلوا أي : رَمُوا للسَّبق . ونَاضَله إذا راماه , وفُلان يُنَاضِل عن فلان :
إذا رامى عنه وحاجَج وتَكلَّم بِعذره ودَفَع عنه . ( النهاية في غريب الحديث 5/71
)
[17] - هو قطعة من الحديث السابق للبخاري وتمام الحديث كما في صحيح
البخاري (4/ 38) 2899 هو
عن سَلَمَةَ
بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ
كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ
الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ
كُلِّكُمْ»
[18] - متفق عليه : رواه البخاري في عدة مواضع منها رقم ( 4055 ) ،
ورواه مسلم في عدة مواضع منها رقم ( 2412) .
[20] - حديث صحيح : رواه أحمد برقم ( 13334 ) قال : حدثنا حسين بن محمد
حدثنا سفيان - يعني ابن عيينة - عن علي بن جدعان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : { صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة . قال : وكان يجثو
بين يديه في الحرب , ثم ينثر كنانته , ويقول : وجهي لوجهك الوقاء , ونفسي لنفسك
الفداء } . وابن جدعان ضعيف .
وقد ورد بأسانيد أخرى : فرواه الحاكم
في المستدرك ( 3/ 397 – رقم / 5503 ) ، قال : أخبرني أبو بكر بن أبي دارم الحافظ
بالكوفة ثنا مطين ثنا محمد بن العلاء أبو كريب حدثنا قبيصة ثنا سفيان عن عبد الله
بن محمد بن عقيل عن جابر وأنس رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : { لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل } ثم قال : لم يكتبه بهذا الإسناد
, ورواته عن آخرهم ثقات , وإنما يعرف هذا المتن من حديث علي بن زيد بن جدعان عن
أنس .
وفي مسند عبد ابن حميد ( 1/ 407- رقم
/ 1834) قال : حدثني ابن أبي شيبة ثنا
يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لصوت أبي طلحة أشد
على المشركين من فئة } . وقال عنه الألباني في الصحيحة : صحيح ( 4/ 549 – ح / 1916
) .
[21] - هو جزء من الحديث السابق برواية أحمد برقم ( 13334 ) .
[22] - روي من حديث ابن عباس مطولاً : رواه الطبراني في الكبير ( 11/
111 ) ، وإسناده موضوع . ولكننا نقول : إن كون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
لديه سيف وقوس وعنزة ورمح ودرع ولأْمة حرب ، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يجاهد ،
ويستخدم السلاح كل ذلك كان شيئاً معروفاً بالتواتر .
[23] - حديث إسناده حسن : رواه ابن ماجه برقم ( 2821 ) ، وله طرق كثيرة
ترفعه إلى الصحيح ؛ فقد رواه الترمذي برقم ( 1638 ) ، وبلفظ : { من رمى بسهم في
سبيل الله فهو له عَدلُ محرر } قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح ، ورواه النسائي برقم
( 3142 ) بلفظ : { من رمى بسهم في سبيل
الله ؛ بلغ العدو أم لم يبلغ ، كان كعتق رقبة ، ومن أعتق رقبة مؤمنة كانت له فداء
من النار عضواً بعضو } وإسناده صحيح . كما رواه أحمد بأرقام منها رقم ( 16572 ) ،
وقال عنه الألباني : صحيح . في صحيح الجامع رقم ( 6143 ) .
[24] - حديث حسن
[26] - حديث صحيح : مرّ سابقاً
[27] - متفق عليه : رواه البخاري في مواضع منها رقم ( 2790 ) ، ورواه
مسلم بلفظ مقارب برقم
( 1884 ) .
2 التعليقات:
شيخنا الحبيب بارك الله فيك
نرجوا منكم التكرم بتوفير نسخة وورد أو ب دي إف لهذا الكتاب بتحقيقك حتى يتسنى لنا طباعته لما له من أهمية عاجلة، وأيضاً لمجموع الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية، ثم إن أمكن للمقالات في المدونة إذا أننا نجد صعوبة في الوصول إلى الانترنت بكل وقت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرسل لي بريدك الإلكتروني لأرسل لك الجاهز
إرسال تعليق