فهذه تجربتي وهذه
شهادتي للشيخ سعيد حوى الحلقة السادسة
الفصل الخامس : في
العمل الإعلامي.
ذكرنا من قبل أن
الشهيد عبد الستار الزعيم طلب منا أن نبدأ عملا إعلاميا في الخارج يغطي حركة
الثورة, ولقد اتفقنا في القيادة على إصدار نشرة اسمها النذير, وكان الذي اقترح هذا
الاسم هو الأخ أبو عامر, وبدأت النذير بالظهور, وتوسع جهازها وأصبحت تطبع أحيانا
في أكثر من لغة, وتحمس الأخوة في كل مكان لطبعها ونشرها وتوزيعها, وحاول جهازنا أن
يتقدم خطوة في نوع أخر من الإعلام هو أشرطة الكاسيت, ولكن الأمر كان يتقدم أحيانا
ويتعثر, وحاول جهازنا الإعلامي أن يستفيد من الفيديو فحقق بعض النجاحات, وأخذ
الجهاز يصدر عددا من النشرات ذات الموضوع الواحد أو الموضوعات المتعددة المتعلقة
بسورية, ثم أتيح لجهازنا الإعلامي أن يبث من صوت سورية العربية من بغداد.
وبالجملة فإن خطواتنا
الإعلامية كانت لا بأس بها على انتقادات كانت توجه أحيانا لهذا الجهاز.
وقد أصدر المقاتلون
في الداخل مجلة النصر, ولم يصدر منها حتى كتابة هذه السطور إلا أعداد قليلة,
وأصبحت في النهاية تصدرها مجموعة عدنان عقلة بعد انفصالها عن الوفاق, ولعل أفضل
مادة لكتابة تاريخ هذه المرحلة في سورية, هي مجلة النذير ونشرات جهازها, وكذلك
النصر في أعدادها الأولى.
ومن عرف أننا بدأنا
الإعلام في الخارج من الصفر, ورأى إنتاج
جهازنا, وأين وصل إعلامنا, يدرك كثافة الجهود التي بذلت في ذلك, ويدرك مقدار تجاوب
المسلمين معها.
الفصل السادس : في
العمل التربوي.
لم يكن وضعنا في
ابتداء الأمر مستقرا, ولم يكن الأخوة السوريون في الأردن كثيرين, وكانت الزيارات
القليلة هي الزاد التربوي الوحيد الذي نقدمه لإخواننا, ثم أكثرنا الزيارات, وكثر
الأخوان, ثم أحدثنا الجهاز التربوي, واخترنا له مجموعة من الأخوة خريجي الشريعة
والمهتمين بالدراسات الإسلامية والتربية الإخوانية, وكان من أهم إنجازات هذا
الجهاز تنظيم الزيارات, وإيجاد مدرسة لإعداد الدعاة, وإخراج نشرة المجاهد, ومحاولة
إحياء نظام الأسر.
لقد كانت نشرة
المجاهد خاصة بالصف, ولقد استطاعت أن تحافظ على مستوى طيب في التحليل والتعليل,
ومخاطبة الصف والتحريض على الجهاد واستمراره.
وقد وضعت لنفسها
أهدافا هي :
1-
بناء
شخصية المجاهد المسلم وصقلها وتجليتها.
2-
توضيح
معالم الحركة الجهادية عند جماعة الأخوان المسلمين.
3-
تلبية
حاجات التنظيم والحركة.
4-
توحيد
النظرة والفهم والتجاوب لدى جميع أفراد التنظيم أمام الحادثات.
5-
نقل
الأوامر وتبادل المشورة بين القيادة وأفراد التنظيم.
6-
تعريف
الأخوة الملتزمين بالواقع الذي تقف فيه الحركة ونظرتها المستقبلية.
7-
الإجابة
على أسئلة الأخوة واستفساراتهم.
أما مدرسة إعداد
الموجهين فقد جعلنا مدة الانتساب إليها ما بين الثلاثين إلى الأربعين يوما, وكان
عدد المنتسبين في الدورة الواحدة يصلون إلى الخمسة عشر, ولم نتوسع في العدد مراعاة
لمقتضيات الأمن, وكانت مدرسة داخلية يعيش الأخوان فيها, ولا يخرجون منها إلا مرة
أو مرتين في الأسبوع, وكان برنامجها اليومي يدخل فيه الرياضة وقراءة المأثورات,
وتلاوة القرآن وقيام الليل وصلاة الجماعة والعلم والمطالعة.
وكان المنهاج الثقافي
يشمل التوحيد والفقه واللغة العربية والسيرة وفقه الدعوة والأصول الثلاثة,
ومحاضرات في الثقافة العسكرية ومحاضرات في النظام والتنظيم والتخطيط وإدارة الأسرة
والحلقة وتحضير البحوث وغير ذلك.
وقد كانت الفكرة : أن
يتطور الأخ بحيث يبقى مرتبطا بها يتابع دراساته ويؤدي امتحاناته, وكانت عملية
التقييم والتطوير فيها قائمة, وكان على رأسها أخ كأنه خلق لها, وأصبح الأخوة
يشعرون بتحول كبير عند من ينتسب لها, حتى صار بعض الأخوة يسمونها مدرسة الأولياء,
وبعد أحداث حماة تعطلت لأن الأخ القائم عليها أصبح يشتغل في شأن أخر, لم أكن أراه
يعدل عمله الأول.
ولم يستطع جهاز
التربية أن يفعل الكثير بعد أحداث حماة لأنه صار عند الأخوة شعور أنه ما دام
الاندفاع نحو الثورة غير موجود فلا تجاوب مع شيء.
بقيت هناك حلقة علمية
نسائية كنا نتعاون أنا والشيخ منير على مادتها فنلقي دروسنا من وراء حجاب, وكنا
ندرس فيها التوحيد والسلوك, و حسن الأسوة فيما ورد عن النسوة.
أنهيت عليهن كتابا في
التوحيد وقسما كبيرا من حكم ابن عطاء, وأنهى الشيخ منير قسما لا بأس به من كتاب
حسن الأسوة.
نظم جهاز التربية –
بإيحاء من التنظيم العالمي – زيارات لعدد من الأساتذة السوريين وغيرهم, وكانت هذه الزيارات
مفيدة ولكنها انقطعت.
كانت لي بعض الحلقات
لبعض الأخوة أدرس فيها حكم ابن عطاء, ودرست بعض الأخوة جزء من علم التوحيد,
بمبادرة شخصية, وقد رأى بعض الأخوة رؤيا فيها إشارة إلى مجالس الصلاة على رسول
الله صلى الله عليه وسلم, فشجعته وإخوانه على إقامتها, فأوجدت روحا جديدة لكنها
كانت مبادرة فردية كذلك.
أصبح ما يصيب الأخ من
التوجيه والتعليم في حكم المعدوم, إلا ما كان من محاضرات وجلسات في المعسكر, أو
جلسات بمبادرات فردية, وأصبح الأخوة لا يتجاوبون في الغالب مع أي شيء يأتيهم من
القيادة, كانوا يشعرون أن ثورتهم ضاعت, ويحملون القيادة مسؤولية ذلك, فأصبح
إقبالهم قليلا وطاعتهم ضعيفة إن لم تكن معدومة. واقتضى هذا مني أن أبذل شيئا من
الجهود لمعالجة الوضع العلمي والروحي.
الفصل السابع: في
العمل الإداري.
من المعلوم أن العمل
القيادي كله له صفة الإدارة والتنظيم والتخطيط, ومتابعة التنفيذ, وكانت علتنا
الرئيسية أن الأعمال الصغيرة كانت تستغرق جهودنا كلها, وذلك من زيادة الحرص ألا
نقع في الخطأ, مرت فترات كانت صرف عشرة دنانير يحتاج إلى قرار في المكتب التنفيذي,
ولما طرحت فكرة أن تعطى صلاحيات صرف محددة لأعضاء القيادة وللأجهزة والإدارات أقرت
الفكرة بصعوبة, ثم عادت القيادة فيما بعد فسلبت الكثيرين من العاملين الصلاحيات,
فأصبح الكثيرين من العاملين مجمدين في الحقيقة, لا يستثنى من ذلك إلا البعيدون عن
السيطرة المباشرة للقيادة.
لم تكن في القيادة
نظرية إدارية واضحة تربط المراكز في القيادة وتنظم هذا الربط, كان الربط في الماضي
يتم عبر الأمين العام, ولكن بعد أن توسعت دائرة أعمالنا لم يعد بالإمكان ذلك,
وكانت الضربات المتلاحقة وجلاء الأخوة من الداخل واحتياجنا أن نربط الأخوة السوريين
في العالم بقضيتهم يقتضي نظرية جديدة في الإدارة, لذلك طرحت فكرة الجهاز الإداري,
وكانت فكرة جديدة على الجماعة, وكنت أعتبره حلا لكثير من الأمور, منها الجمود في
حركة الجهاز العسكري, ومنها تنشيط قضية العمليات.
وكانت نظرتي للعمل
الإداري تختلف عن نظرة الآخرين, فالقيادة كلها إدارة في النهاية, بينما كان فهم
الآخرين للإدارة هي الأعمال الروتينية الدقيقة, وبالتالي فإنه عندما عرض علي
الدكتور حسن هويدي أن أستلم الجهاز الإداري رفض أبو أنس ذلك بانفعال, وصوت ضد ذلك
الشيخ منير.
ولقد بقيت فكرة
الجهاز الإداري مستمرة, وقد أعطاه طابعه العملي فيما بعد الأخ أبو الطاهر.
ولا زال العمل
الإسلامي في كثير من الأقطار يحتاج إلى نظرية إدارية صالحة متطورة متجددة, ونرجو
أن يتحسن الحال.
الفصل الثامن : في
العمل السياسي.
كنت ولا زلت أرى أن
العمل السياسي يشمل :
1-
الحركة
السياسية الخارجية نحو الأشخاص والتجمعات والحكومة, وأن مبنى الحركة ينبغي أن يقوم
على مبدأ البحث عن القواسم المشتركة, وعن المرجحات التي ترجح التعامل معنا على
التعامل مع الخصوم, إن كان في الحاضر فليكن, وإلا ففي المستقبل, وإن كانت الصيغة
الأخيرة لا تلقى قبولا إلا عند الذين يفكرون في الاستراتيجيات, وكنت أرى أنه حيث
تكون عندنا قناعة لو عرفها أحد فإنه يتعاطف معنا أو يتعامل معنا فعلينا تبليغ هذه
القناعة.
2-
في
البحث عن العناصر ذات الكفاءة لكل احتياجات الدولة الإسلامية المقبلة, فالعمل
السياسي داخل سورية يحتاج إلى متخصصين على مستوى الوزارات, والنقابات والمؤسسات
والقطاعات وشرائح المجتمع, والعمل السياسي الخارجي يقتضي مختصين في العلاقات مع
حكومات العالم, وتياراته ومؤسساته, وعلينا أن نتحرك في هذا, وأن نضع له الخطط
المستقبلية.
3-
أن
توجد جهات تدرس الوضع الدستوري والقانوني لسورية وتضع الصيغ اللازمة لذلك كله.
ولقد استطاعت الجماعة
أن تتحرك حركة خارجية أنجزت فيها الجبهة الإسلامية والتحالف الوطني, ونوعا من
العلاقات الإنسانية مع الأردن, ونوعا من العلاقات السياسية مع العراق, وكنت شريكا
في هذا كله, ولم يولد حتى كتابة هذه السطور الجهاز المركزي الذي يحمل عبء ذلك كله.
وكنت أدخل في مسودة
النظام فكرة الجهاز السياسي والجهاز الاجتماعي, على أمل تحقيق بعض ما ذكرت, كما
اقترحت على أكثر من جهة أن يتم إحصاء لكل الأعمال التي تحتاجها الحركة ثم يعرض على
كل فرد له صفة معينة في الجماعة أن يختار الجانب أو الجوانب التي يرغب أن يعمل
فيها ومن خلال ذلك نستطيع الارتقاء والتطوير بما يغطي كل أعمالنا في سورية بما في
ذلك العمل السياسي.
ولقد تطورت فيما بعد
حركتنا السياسية خاصة, فأنجزنا بعض الإنجازات التي لا بأس بها, ووجد الأساس
لعلاقات مستقبلية مع كثير من الجهات.
الفصل التاسع : في منهاج
الثورة.
بدأ الأخوان وغيرهم
يتطلعون إلى كتابة شيء يمثل نموذج التفكير السياسي للثورة الإسلامية في سورية,
وبدأت كثير من المجلات والصحف العربية والأجنبية تطالب بذلك لتعرف ما هو الفكر
الذي يقف وراء ما يجري في سورية, وماذا يريد هؤلاء للمستقبل, وقد بدأنا الإعداد
لذلك بشكل مبكر, ولقد قدمنا لإخواننا في أحد اجتماعات مجلس شورى الجماعة مسودة
لمجموعة الأفكار التي يمكن أن نطرحها في البيان, على أمل أن يوافينا الأخوان
بآرائهم واجتهاداتهم, وجاءنا فعلا عدد من الدراسات, وبعد مناقشة داخل القيادة أخذ
الأخ أبو عامر على عاتقه أن يصوغ البيان, وكان الشيخ أبو (.....) قد كتب ما يعتبره
رسالة سياسية يمكن أن توجه إلى الشعب السوري, فاعتمد الأخ أبو عامر هذه الرسالة
وما طرحته القيادة على مجلس الشورى, وما صدر من بيانات انتخابية في باكستان, وما
طرح من طروحات سياسية على الساحة العربية, لصياغة البيان, وبعد تعثر طويل عكف على
هذا الموضوع في المدينة المنورة, وأنجز مسودته, ووزعها على عدد من الأخوان داخل
سورية وخارجها, وأخذ ملاحظاتهم, وأرسل إلى القيادة يعلمها بإنجازه, وكان يرغب
باستعجال الطبع, وكاد البيان أن يخرج دون أن تنظر فيه القيادة, لكنه أصررنا أنه لا
بد من النظر فيه فأرسل لنا نسخة, كان في المسودة أخطاء بسيطة وأخطاء قاتلة, وكانت
بعض الدراسات ترى إجراء تعديل على الصياغة, ولكن القرار في القيادة كان غير ذلك,
أن تبقى الصياغة وتسجل الأخطاء و وقد سجلنا هذه الأخطاء وأرسلناها إلى أبي عامر,
وكان أبو عامر يعتبر أي نقد تافها, وجاءت ظروف سافرنا فيها إلى الرياض, وكان أبو
عامر فيها, وفوضنا مع الشيخ عبد الفتاح وبعض الأخوة في المناقشة, وإقرار المنهاج
على ضوء ملاحظات القيادة, وكان أبو عامر يثور كلما أثرنا نقطة, وكان يحلف بالطلاق
على بعض العبارات ألا تتغير.
كانت أهم النقاط
القاتلة التي كانت بالإمكان أن تسبب فتنة داخل الصف فكرتان :
الأولى : فكرة حمل
بعض الأيات الواردة قي شأن الأمة الإسلامية على الأمة العربية, وهذه قضية في غاية
الخطورة, لأنها مما يعرفها الجميع وينكرونها على القوميين إذ يفعلونها.
الثانية : فكرة أنه
إذا أعطي الإسلام حرية الكلمة فسنكسر السيوف على الركب, وهذا يفيد بالضرورة
إمكانية تعطيل الجهاد, مع توفر أسبابه إذا أعطي المسلمين حرية الدعوة.
لكن كانت ملاحظات
القيادة من القوة والدقة بحيث سلم لأكثرها أبو عامر, وخرج البيان بالشكل الذي رآه
الناس أناقة وجمالا وقوة.
ومع ذلك فإن بعض
المتشنجين اعتبروا أن البيان غير إسلامي, مع أن البيان والمنهاج كانا فتحا في
الفكر السياسي, وهذا جهد مشكور يذكر لأبي عامر.
كان هناك اتجاه أن يوقع البيان من الشيخ عبد
الفتاح أبي غدة, وبهذه المناسبة فاتحنا الشيخ بأن يكون رمز الثورة وقائدها, وكانت
الثورة لا زالت متألقة, لكن الشيخ رفض بإصرار كامل, مع أنه لم يقصر أبدا في شيء
طلب منه, أو الإفادة من شيء أتيح له, لقد قدم الكثير من الخدمات للثورة, ورفض أن
يكون قائدها ورمزها.
وأخيرا اتفق أن يصدر
البيان بأسماء أبي عامر والبيانوني وسعيد حوى, وكنت الوحيد من الثلاثة الذين لم
يخرج أهله إلى الخارج, لذلك تمنيت في أعماق نفسي ألا يذكر اسمي في البيان, لكن ما
كنت لأفر من الواجب, وظني أن هذا كان عاملا من عوامل قتل أخوي الشهيدين محمود
ومصعب رحمهما الله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق