هذه تجربتي وهذه
شهادتي للشيخ سعيد حوى الحلقة الرابعة
الفصل الأول : في
قرار المواجهة هل كان منه بد
قال تعالى : كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون.يجادلونك في الحق بعدما
تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ([1])
لقد كان قرار المواجهة
اضطراريا, فهناك جهة كافرة قررت وأعلنت ونفذت المطاردة والاعتقال والتعذيب, وبدأت
عملية التصفية, والله عز وجل يقول : فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض
المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا([2])
فبأس الذين كفروا لا ينكف إلا بقتال, ولو إفراديا وبتحريض على القتال, وهذا الذي
فعلناه.
صحيح أن قرارنا لم
يكن مخططا له من قبل, بل لم يكن اختياريا إلى حد بعيد, لأن السلطة هي التي قررت,
ومع ذلك فلقد كان قرارا على ميعاد مع قضايا متعددة :
لقد رفع الأخوان
المسلمين شعار الجهاد وجاهدوا الاستعمار وجاهدوا الصهيونية.
لكنهم لم يبلوروا
نظرية جهادهم للوصول إلى أهدافهم فيما بعد مرحلة الاستعمار.
ونحن نرى أن هناك
أقطارا لا يصلح فيها إلا الجهاد العسكري.
بينما هناك أقطار
لأنواع الجهاد الأخرى فيها محل ولقد كانت سورية في عهد حافظ أسد من الأقطار التي
لا يصلح فيها إلا رفع راية الجهاد العسكري.
إن منطقة بلاد الشام
هي أهم المناطق على الإطلاق بالنسبة للعالم الإسلامي.
وفي الحديث الصحيح (
إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ) والشام قد آل قسم منها إلى اليهود وهي فلسطين
ولهم السيطرة المطلقة فيها.
وقسم منها آل إلى
النصيرية وهي سورية.
ولبنان ممزق وهو في
كل الأحوال ليس للإسلام ولا للمسلمين.
والأردن معرض للخطر
من جهات متعددة.
وكان على الحركة
الإسلامية أن تفعل شيئا للشام.
ولم يكن هناك أحكم من
الحركة الإسلامية أن تحاول إيجاد نظام معقول من الناحية الإسلامية في سورية.
فذلك وحده يمكن أن يرد
خطر الصهيونية عن بقية العالم الإسلامي.
صحيح أن ذلك صعب.
ولكنه ممكن إن وجدت
الكفاءات ومرونة العمل وقوة المبادرة.
بانتصار الثورة
الإيرانية وبتلاحمها مع الحكم النصيري في دمشق أصبح قلب الأمة الإسلامية مهددا
بالغلو الباطني والغلو الشيعي.
وبالتالي فإن رياح
الخطر على مستقبل الأمة وحاضرها أصبحت تهب بشدة من هنا وهناك.
وإن إسقاط نظام حافظ
أسد يرجع شيعة إيران إلى الاعتدال.
ويخفف التهديد الذي
تتعرض له العراق والسعودية والبحرين وقطر والإمارات والكويت وباكستان وأفغانستان.
كما يمكن أن ينهي
[خطر حجز ] حاجز الغلو الشيعي ما بين مشرق العالم الإسلامي عن مغربه.
إن حافظ أسد مع
إبقائه الجسور مفتوحة بينه وبين الغرب.
لكنه يرفع راية
اليسار والتلاحم مع الاتحاد السوفيتي.
ومن هاهنا أصبحت رياح
عاتية يمكن أن تهب من سورية على تركية والسعودية وبلدان أخرى.
وهذا يجعل إسقاطه
أمرا لا بد منه لقطع هبوب رياح الخطر الشيوعي.
أصبح نظام حافظ أسد
نظام ابتزاز وتهديد وتمزيق وتأمر على كل جيرانه المسلمين.
وعلى الكثير من
الأنظمة.
وهذا يجعل وضع
الإنسان السوري قلقا مضطربا حاضرا ومستقبلا.
أصبح حافظ أسد جزءا
من اللعبة الدولية وجزءا من المخططات الشرقية والغربية والصهيونية بآن واحد.
وحيث تتفق هذه الجهات
على شيء فإن حافظ أسد يلعب دور المنسق والمنظم لمصالح الجهات هذه كلها.
وفي كل الأحوال فإن
مخططات هذه الجهات معادية للإسلام والمسلمين.
وفي كل حال فإن
الطائفة النصيرية في ظل نظام حافظ أسد يضمها مع اليهود خندق واحد.
وذلك أنها تستشعر أن
رياح الخطر لا تهب عليها إلا من خلال الإسلام والمسلمين.
ولذلك فإن الطرفين
يدخلان في معركة مصيرية مع كل ما هو إسلامي جاد وجماعي.
ولذلك فإن الحركة
الإسلامية ليس أمامها خيار إلا في المواجهة.
وإذا ما أرادت الحركة
الإسلامية أن تدخل مواجهة فليس هناك أقوى من أن تواجه نظام حافظ أسد النظام الذي
يكاد الشعب السوري أن يجمع على كراهته والرغبة في إسقاطه.
ولذلك يرى اللبنانيون
والعراقيون والفلسطينيون والأردنيون والأتراك أنه نظام شرير متآمر مسيء.
وكان هناك شعور عندنا
أنه كلما تأخرنا في أمد المواجهة فإن الشعب السوري سيستمرئ حياة الذل والنفاق.
فكان لا بد من حركة
قوية تمتلك قدرة على جهاد طويل المدى كثير التبعات.
وكان هناك إحساس أن
التركيب النفسي والتنظيمي للإخوان المسلمين لا يسمح بقرار مواجهة في المستقبل.
فكان على قادة الحركة
أن يستفيدوا من الظروف المواتية وقتذاك لاتخاذ القرار.
وقد اتخذ القرار مع
معارضة بعض كبار الأخوان.
ولكن الأجواء كانت
أقوى من أن يؤثر أحد على قرار المواجهة.
وهكذا اتخذت قيادتنا
قرار المواجهة.
وفي أول اجتماع لمجلس
شورى الجماعة عرض القرار على مجلس الشورى.
وبعد لأي وافق عليه.
الفصل الثاني : في
مظاهر تحركنا لتحقيق قرارا المواجهة.
في أول اجتماع لمجلس
شورانا تقدمت بورقة عمل تمثل تطلعاتنا للمرحلة اللاحقة, وقد قرأت في القيادة
فأقرت, وقرأت في مجلس الشورى فأقرت, وكان مما نصت عليه ورقة العمل هذه أن من برنامجنا للمرحلة اللاحقة إنجاز وحدة
الأخوان المسلمين, وإنجاز وحدة المسلمين, وإنجاز صيغة من التعامل مع غير الإسلاميين,
وكان الرأي المطروح في النقطة الأخيرة أن نبدأ بنوع من إقامة الجسور مع شخصيات من
كل الاتجاهات عندها استعداد لنوع من التعامل معنا من أجل مستقبل سورية إسلامية.
ولقد أنجزنا فيما بعد هذا كله : أنجزنا وحدة الأخوان المسلمين بإنجاز الوفاق,
وأنجزنا صيغة لوحدة الإسلاميين بإيجاد الجبهة الإسلامية ووصلنا إلى التحالف الوطني
لتحرير سورية.
وكان هذا كله لصالح
المواجهة, ولكن عدم وضوح الرؤية عند بعض القيادات الإخوانية جمدت المصالح المرجوة
من هذا كله كما سنرى.
لقد واجهتنا معارضة
شديدة في الداخل والخارج من أجل هذا القرار, فقد كانت أكثر قيادات المراكز غير مرتاحة
لهذا القرار, وغير مستعدة له, وكان أكثر أخواننا في الخارج يعارضون مثل هذا
القرار. وقد أرسل لنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رسالة يطلب منا فيها إعادة النظر,
ولكن القيادة كانت مجمعة على هذا القرار مصرة عليه, فاستطاعت أن تنتزع موافقة مجلس
الشورى وأعطت بعض قيادات المراكز فرصة للتأمل والانسجام, إلا أن القيادات المتأنية
كانت تخضع لضغوط هائلة من القواعد.
وهكذا أجمعت القيادة
ومجلس الشورى والصف في الداخل على قرار المواجهة, وكان الكثيرون من أخواننا في
الخارج متحمسين للقرار, فلم يجد الأخوة المعارضون في الخارج بدا من قرار التسليم,
وإنصافا نقول : أنه في المرحلة الأولى لم يبق أخ منظم في الداخل والخارج إلا وقد
بذل كل جهده في تنفيذ القرار.
لقد كانت الفكرة
المركزية التي نتحرك على ضوءها هي تحريك العمل الجهادي بأي ثمن لأن هذا هو الشيء
الأهم في المواجهة, وكنا نعتبر أن دخول أي جهة على الخط الجهادي نصر للحركة
وللمواجهة, ولو لم يكن خاصا لنا أو مواليا, والطريق سيجمع الجميع بإذن الله.
كانت مجموعات الشيخ
مروان في الميدان, ولكنها كانت محدودة العدد ولا تملك وسائل ولا مالا, فقررنا
إمدادها بكل ما نستطيع, وحاولنا مع صفنا أن يفرز كل من يستطيع القتال في كل
الأمكنة التي فيها مراكز عمل, وحاولنا أن نصل إلى كل من عرفنا أن عنده استعداد
للجهاد لنقدم له ما نستطيع سواء كان من العلماء أو كان من مجموعة عصام العطار, أو
كان من الذين جذبتهم الحركة الجهادية إلى صفنا, وكانت هذه السياسة, التحريض على
القتال,, وإمداد كل الراغبين فيه حتى ولو كانوا غبر موالين لنا في الأصل, هي
السياسة الوحيدة التي يمكن أن يجتمع فيها الصف الإسلامي على الحركة الجهادية, وقد
حاولنا أن نصفي الأجواء الإسلامية وأن ننقيها, فأرسلنا خطابا إلى علماء سورية
نحدثهم فيه عن الوضع, ونطالب كلا منهم بالدعم المستطاع ولو كان قلبيا, المهم أن
تلتقي القلوب على توجهنا بالمواجهة التي لا بد منها.
وبهذا كله تنامت
الحركة باستمرار حتى زج الشعب السوري بكل قواه في المعركة السياسية عبر نقاباته
العلمية, مما يدل على أن الشعب السوري كله عبئ في معركة المواجهة ولكن لم ينتج عن
ذلك شيء كثير لأن الأمر كان أكبر من ذلك كله, ولأن بعض الأخطاء ارتكبت في حينه.
وكان من الأخطاء محاولة
تعطيل الدراسة في سورية, وقتل الشيخ محمد الشامي وبعض الناس وهم في المسجد, وسياسة
زج كل القوى المقاتلة في الساحة دون الاحتفاظ باحتياطي مكثف لصالح استمرار المعركة
واعتبار عدنان عقلة أن المعركة معنا في الداخل وتصفية نفوذنا له أولوية.
عرفنا أن هناك قوى من
مجموعة عصام العطار ترغب بالحركة الجهادية, فاستقدمنا أحد عناصره الرئيسية وعرضنا
عليه التعاون معنا, وسواء التزم بنا أو لم يلتزم فإننا نوكل إليه أن يقدم كل دعم
لأي جهة ترغب بالقتال, ونحن سنمده بكل ما يلزم.
كانت مساعداتنا تصل
إلى مجموعة مروان حديد رحمه الله في حلب وحماة ودمشق رغم النفس الجديد الذي أظهروه
في التعامل معنا بعد استشهاد عبد الستار الزعيم رحمه الله كما سنقصه.
عرفنا أن بعض القوى
الإسلامية وبعض تلاميذ الشيوخ يرغبون في الحركة فاتفقنا معهم, كان همنا أن يتحرك
أكبر قدر ممكن من الناس في المواجهة بصرف النظر عن انضباطهم معنا, فقام كل شيء ضد
حافظ أسد, وكان هذا انتصارا لسياستنا.
وقد عرفنا أن هناك
قوى خارج سورية راغبة في التحرك ضد حافظ أسد فحاولنا الصلة معها وحاولنا إمدادها,
لكن تفكير القيادة فيما بعد أحداث حماة جمد الأمور.
لقد أصبحت القيادات
التي جاءت بعد أحداث حماة تفكر على طريقة معاكسة لا إمداد لا تحرك إلا بعد ضمان
الولاء المطلق, فكانت الثقة تتناقص على كل مستوى حتى أصبح الشك هو الأساس, وكانت
هذه السياسة مع سياسات أخرى عاملا من عوامل تحجيم الصراع مع حافظ أسد.
لقد جرت العادة أن
المثقفين تقل تضحيتهم كلما ارتقوا ثقافيا, فالمتوقع من الطالب أو العامل في ميدان
التضحية أكثر من غيره, فأن تتخذ النقابات العلمية : نقابات الأطباء والمهندسين
المدنيين والزراعيين والصيادلة والمحامين ورابطة الكتاب موقفا سياسيا معاديا لسلطة
دموية, ذلك نجاح ما بعده نجاح لسياستنا في الدفع والتحريض والتجميع والتحريك
وتنمية الحركة الجهادية.
وكان صفنا يلعب دور
الموجه ودور الشرارة في إيجاد التفاعل, وهذه نماذج على بعض تصرفاتنا في هذه
المرحلة :
بعد حادثة المدفعية
أرسل لنا عبد الستار الزعيم مندوبا هو الأستاذ(ع ) فهمت منه أنه غير راض عن حادثة
مدرسة المدفعية, وأنه يرغب أن نتحرك إعلاميا, وحدثنا عن نقاط أخرى, وتمخض هذا عن
تعيين مندوب لنا في الداخل هو (ف).
عرضنا من خلال
مندوبنا على عبد الستار عروضا أهمها :
أن نفرز له من
أخواننا بشكل مستمر ليلتحقوا بمجموعاته.
وهو يقود الحركة
الجهادية.
فيكون هو المسؤول
العسكري عن العمل كله.
أن نبدأ نحن بتشكيل
مجموعات مقاتلة وهو يشرف عليها نوع إشراف.
فكان جوابه أن
أهراماته أي مجموعاته محترقة لأنها أصبحت معروفة لدى السلطة.
ولذلك فإنه يفضل أن
ننشئ نحن مجموعات تابعة لنا.
وهو يعطينا خبرته.
وبناءا عليه فقد
اتخذنا قرارا أن نوجه إلى كل مركز من مراكزنا في الداخل طلبا أن يخيروا أخوانهم,
فمن اختار طريق الجهاد والقتال فليفرز لذلك, وهؤلاء يختار أكفؤهم ليكون مسؤول
الجهاد في كل مركز.
وكانت قيادات بعض
المراكز غير مقتنعة بالخط الجديد فأعطيناها فرصة, ثم هي لم تجد نفسها أمام خيار
فاندفعت, لقد كان ضغط القواعد نحو المواجهة قويا, وكان ذلك منسجما مع قرار
القيادة, وهكذا وجد عندنا صف مجاهد في كل مركز تقريبا.
أخذ أحد الأخوة في
حلب أذنا بإيجاد تشكيل من ثلاثين أخ, ثم توسع بالعمل فاصطدم بعدنان عقلة – الذي آل
إليه أمر مجموعات الشيخ مروان حديد في حلب – من جهة, وببعض أخوانه في جهة, ثم
اعتقل بعد ذلك, وأذنا لأخواننا أن يلتحقوا بعدنان عقلة, وذلك قبل وضوح موقفه من
الجماعة وقيادتها.
عين مسؤولا عسكريا في
إدلب, وقد التحق به أعداد كبيرة جدا, وقد طلبنا منه أن يتعاون مع عدنان عقلة, لكن
عدنان عقلة أصر أن يلتحق به وأن يعلن خروجه على قيادة الأخوان.
أصبحت لنا مجموعات
مقاتلة في أكثر من مكان في سورية, ولكن الأمر كان متداخلا بعد أخذ عدنان أسلوب
المواجهة معنا, ومع ذلك فقد بدأ العمل ينمو وفتحت لنا آفاق التدريب والتسليح من
خلال تفاهمنا مع العراق.
وهكذا من خلال
صفنا وإمداد مجموعات الشيخ مروان, ومن
خلال إمداد كل الجهات الراغبة في الجهاد, ومن خلال محاولات التفاهم مع الجميع
نفذنا قرارنا بمنتهى الكفاءة, ومن نظر إلى الموات الكائن في سورية قبل العمليات
وقبل قرارنا, ثم نظر إلى ما حدث بعد ذلك يجد أن شيئا فوق التصور قد حدث, ومن نظر
إلى أننا لم نستطع خلال ثلاث سنوات أن نسقط حافظ أسد ونقيم الدولة الإسلامية
الراشدة مع أننا بدأنا كل شيء من الصفر تقريبا فإنه يخيب أمله ويلوم, ومن نظر إلى
ضربة حافظ أسد قبل قرار المواجهة والتي كانت كافية لأن تجهز علينا إلى عشرين سنة,
عذرنا.
لقد كان الكثيرون
يقارنون بين ما حدث في سورية عندما قرر حافظ أسد ضربنا وبين ما حدث في مصر فيجدون
فارقا, وعندي أن لأخوان مصر أعذارهم, ولكن أذكر هذا ليعلم أن المنصفين كانوا يرون
أننا فعلنا شيئا كثيرا.
*************
لقد كانت إنجازاتنا
في باب المال والوثائق والخدمات والإعلام والتنظيم والإدارة والتدريب والتسليح
والحركة السياسية والإمداد والخدمات والمتابعة شيئا كبيرا كما سنعرضه, حتى إذا
جاءت قيادة الوفاق كان بيدها رصيد ضخم, حتى إذا جاءت قيادات ما بعد الوفاق وجدت
بيدها رصيدا في كل شيء, بدأت تنفق منه, وللأسف فإن هذا الرصيد لم يحسن تنميته, بل
غلب على بعض الأعضاء مرض زعامات شعوبنا في أن التاريخ يبدأ منهم, وأن كل من تقدمهم
مدان.
0 التعليقات:
إرسال تعليق