لا تكونوا أجراء
الطاغوت وعصابته(78)
رضوان محمود نموس
ويتكلم الكاتب في هذه الحلقات عن موقف أجراء الطاغوت
من الجهاد
الجهاد
دون أمير
10- ولقد
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله أجمعين:
[...وبلغنا أن ابن نبهان لما أشرف على النسخة, كتب اعتراضات وأصل فيها أصولاً, لا
يدري هل سبقه إليها مبتدع أم لا؟! فلو قيل لهم: من هذا مذهبه؟ ومن قال به؟ لم يجب
عن ذلك بما يصلح أن يعد جواباً, فمن ذلك فيما بلغنا عنه: أنه لا جهاد إلا مع إمام,
فإذا لم يوجد إمام فلا جهاد.
فيلزم على
هذا أن ما يلزم بترك الجهاد, من مخالفة دين الله وطاعته جائز, بجواز ترك الجهاد,
فتكون الموالاة للمشركين والموافقة والطاعة جائزة, واللازم باطل, فبطل الملزوم,
فعكس الحكم الذي دل عليه القرآن العزيز, من أنها لا تصلح إمامة إلا بالجهاد{([1])
11- وقال
رحمه الله في رده على اعتراضات ابن نبهان والذي منها أنه لا جهاد إلا مع الإمام.
قال الشيخ
رحمه الله تعالى بعد كلام طويل وممتع: [ ...فإذا كنت لا تعرف من الإسلام, إلا ما
يعرفه جهلة العوام , فدع عنك التعرض لأهل الإسلام, بالسفسطة في الكلام, تصنعاً عند
من لا يعرف الشحم من الأورام, فليتك أمي تدري أنك لا تدري, ولم تكن من قبيل من لا يدري أنه لا يدري؛ أما سمعت
الله يقول{ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ }([2]).
أما علمت أن النار خلقها الله للأولين والآخرين, ممن عصا الله, وترك الدين, الذي
بعث الله به المرسلين....وقد فرض الله تعالى البراءة من الشرك والمشركين, والكفر
بهم وعداوتهم, وبغضهم وجهادهم,{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ
الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ
السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ([3]).فوالوهم وأعانوهم, وظاهروهم, واستنصروا بهم على
المؤمنين, وأبغضوهم وسبوهم من أجل ذلك.
وكل هذه
الأمور: تناقض الإسلام, كما دل عليه الكتاب والسنة في مواضع, وذكره العلماء رحمهم
الله, في كتب التفسير والفقه وغيرها؛ وعند هؤلاء وأمثالهم: أنهم على الدين الذي
كانوا عليه لم يفارقوه, وهذا ليس بعجب, فقد بين القرآن العزيز, أن هذه الحال هي
طريقة أمثالهم, كما في قوله تعالى: { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ
الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}([4]).
وقوله تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا
فَهُوَ لَهُ قَرِين % وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ % حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ
يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ % وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي
الْعَذَابِ مُشْتَرِكُون} ([5]).
فإذا أردت
معرفة ما فرضه الله على عباده مما تقدم ذكره, فاذكر قول الله تعالى عن أهل الكهف ,{
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا
شَطَطًا % هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا
يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا % وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ
لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} ([6]).
علموا أنه
لا يصلح لهم دين إلا باعتزالهم واعتزال معبوداتهم, ولو لم يجدوا إلا غاراً في
الجبل في البرية, وهل قالوا: وأين نهاجر, ولا ثم بلد إسلام, ولا إماما لنا ولا
أعوان؟ كما قال هؤلاء الجهلة الذين آثروا الدنيا على الدين.
وتأمل ما
قاله الله في السورة بعدها, عن خليله إبراهيم, إمام الحنفاء { يَا أَبَتِ لا
تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا }([7]).
فمن كان عصيا ًللرحمن فطاعته معصية لله ثم قال: {
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي
عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا }([8]).
وقال: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ
مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ
وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ
إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ
شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ}([9]).
فمن تدبر هذه الآيات: عرف التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وعرف حال
المخالفين لما عليه الرسل وأتباعهم من الجهلة المغرورين الأخسرين.
قال شيخنا: الإمام رحمه الله, في سياق دعوة
النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً إلى التوحيد, وما جرى منهم عند ذكر آلهتهم, بأنهم
لا ينفعون ولا يضرون, أنهم جعلوا ذلك شتماً, فإذا عرفت هذا, عرفت أن الإنسان لا
يستقيم له إسلام, ولو وحد الله وترك الشرك, إلا بعداوة المشركين, والتصريح لهم
بالعداوة والبغضاء, كما قال تعالى: { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ
كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ألا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ
هُمْ الْمُفْلِحُونَ} ([10]).فإذا
فهمت هذا فهماً جيداً, عرفت أن كثيراً ممن يدعي الدين لا يعرفها.
وإلا فما
الذي حمل المسلمين على الصبر على ذلك العذاب, والضرب والأسر, والهجرة إلى الحبشة,
مع أنه صلى الله عليه وسلم أرحم الناس, ولو وجد لهم رخصة أرخص لهم, كيف وقد أنزل
الله عليهم{ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي
اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ
رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا
فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} ([11]).فإذا
كانت هذه الآية, في من وافق بلسانه إذا أوذي, فكيف بغير ذلك؟ يعني من وافقهم
بالقول والفعل بلا أذى, فظاهرهم, وأعانهم, وذب عنهم وعمن وافقهم, وأنكر على من
خالفهم, كما هو الواقع؛ وتأمل: قول شيخنا رحمه الله, إذا عرفت هذا, عرفت: أن
الإنسان لا يستقيم له إسلام...إلى أخر كلامه؛ وقد تقدم ما يدل على هذا وبالله
التوفيق.
لقد أحسن
من قال من السلف: ليس العجب ممن هلك كيف هلك, إنما العجب ممن نجا كيف نجا؛ فلا
تأمن لنفسك الارتداد عن الدين في مثل هذه الفتنة العظيمة خصوصاً إذا عرفت أن
العلماء رحمهم الله, ذكروا الردة من نواقض الوضوء وذلك: أن الرجل قد يتوضأ مريداً
الصلاة, فيتكلم, أو يعمل عملاً, أو يعتقد اعتقاداً يفسد إسلامه فينتقض وضوءه,
عياذاً بالله من مفسدات الدين ومحبطات الأعمال.
وأما
اعتراضكم على من أنكر هذه الأمور التي حدثت في الدين, حين استدللت بآية النساء,
فهو اعتراض من لا يعرف معناها, ولا ألم بقلبه, ولا أصغى إلى ما ينفعه؛ وقد ذكر
شيخنا الإمام رحمه الله, حاصل ما ذكره المفسرون, في معنى هذه الآية, فإنه قال في
قصة الهجرة: وفيها من الفوائد والعبر ما لا يعرفه أكثر من قرأها, ولكن مرادنا الآن
مسألة من مسائلها وهي أن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يهاجر من
غير شك في الدين, ولكن محبة الأهل والمال والوطن, فلما خرجوا إلى بدر خرجوا معهم
كارهين فقتل بعضهم بالرمي, والرامي لا يعرفه؛ فلما سمع الصحابة رضي الله عنهم: أن
من القتلى فلاناً وفلانا, شق عليهم وقالوا قتلنا إخواننا, فأنزل الله: { إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ
قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ
وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ
مَصِيرًا% إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ
لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا % فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ
أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا % وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً.}([12]).
فمن تأمل قصتهم, وتأمل قول الصحابة: قتلنا إخواننا فإن الله قد بين لهم وهم بمكة
قبل الهجرة أن ذلك كفر بعد الإيمان بقوله: { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ
شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ % ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى
الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين % أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ
وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ % لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ }([13]).
وأبلغ من
هذا كلام الله فيهم, فإن الملائكة تقول لهم: فيم كنتم؟ ولم يقولوا كيف تصديقكم؟ ولما قالوا كنا مستضعفين في الأرض, لم
يقولوا كذبتم, مثل ما يقول الله والملائكة للمجاهد, الذي يقول: قاتلت فيك
حتى قتلت؛ فيقول الله: كذبت بل قاتلت ليقال
جريء؛ وأما هؤلاء فلم يكذبوهم بل أجابوهم: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
ويزيد ذلك إيضاحاً للعارف والجاهل.. الآية التي بعدها, وهي قوله: { إلا
المستضعفين من
الرجال والنساء والولدان } الآية وهذا واضح جدا: أن هؤلاء هم الذين خرجوا من
الوعيد, فلم يبقى شبهة, لكن لمن طلب العلم بخلاف من لم يطلبه بل قال الله فيهم {
صم بكم عمي فهم لا يرجعون }([14]).
ومن فهم هذه المواضع فهم كلاماً حسناً, يعني: الذي قدمت ذكره.
فتأمل
كلام شيخنا رحمه الله, وانظر ما وقع في هذه الفتنة, من الاستهزاء بالدين,
والمسلمين, وغير ذلك مما لا يخفى على كل عاقل, أنه عداوة لله ودينه, وعداوة لمن
ثبت على الدين وعادا المشركين, وانظر ما الذي أوجب تلك المسبة والبغضاء لأهل
الإسلام, المتمسكين بالتوحيد, وقد كانوا قبل ذلك مجتمعين على الإسلام, متناصرين
بالانتساب.
وأما قول
المعترض: واستدللت أيضاً بقوله: { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ
اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين }َ([15]).هذه
نزلت في أناس تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ....الخ
فيقال: من
أين لك هذه الدعوى؟ وفي أي كتاب وجدتها؟ وحقيقة قولك هذا: الكذب والقول على الله
بلا علم, وهو من أعظم المحرمات, وهو أصل كل باطل؛ أما تدبر أول الآيات وسياقها,
ولو كنت تعرف التدبر لعقلت عن الله خطابه, وهديت إلى فهم مراده, لكنك أخذت الأمر
بتعسف من لا يبالي, ولا عنده معرفة شيء سوى تغطية الحق بالجحود والتكذيب.
أما علمت
أن الكفر بآيات الله, إنما هو جحودها, والإلحاد في معناها, وقد كفر الله من آمن
ببعض الكتاب وكفر ببعض, فإذا أردت الاطلاع على ما قد جحدت من معنى هذه الآيات, فخذ
كلام أئمة التفسير المشهور عند كل من هو به خبير قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ
اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }([16]).
23 قال مجاهد بن جبر- صاحب بن عباس رضي
الله عنه -: نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة.
قال الكلبي عن ابن عباس, قال: لما أمر الله
نبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة فمنهم من يتعلق به أهله وولده,
ويقولون ننشدك بالله ألا تضيعنا, فيرق عليهم ويدع الهجرة, فأنزل الله عز وجل هذه
وقوله ومن يتولهم منكم فيطلعهم على غرة المسلمين ويؤثر المقام معهم على الهجرة والجهاد كما هو حال الكثير في
هذه الفتنة {فأولئك هم الظالمون}
ثم قال:
(قل) يا محمد لهؤلاء المتخلفين عن الهجرة إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم الآيات
وذلك أنه لما نزلت الآية الأولى, قال الذين أسلموا ولم يهاجروا إن نحن هاجرنا ضاعت
أموالنا, وذهبت تجارتنا, وخربت دارنا,وقطعنا أرحامنا, فأنزل الله آية التوبة: {
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا
وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ
فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين }َ([17]).
فإذا كانت
هذه الآيات, نزلت في من لم يهاجر ويجاهد فقد أصابكم حكمهم بترككم الهجرة والجهاد,
وقد قالصلى الله عليه وسلم في من توقف عن مبايعته على الهجرة والجهاد {فإذا
كان لا هجرة ولا جهاد فبم تدخل الجنة} فحصل لكم بترك الفرضين ما حصل من المتابعة
والموافقة, حتى عكستم الحكم, فعاديتم من عادا المشركين, ورمتم هدم الإسلام وحقوقه
وواجباته, فلم يبق بأيديكم إلا استحسان هذه الحالة ورد الحق, وغمط الناس ممن أقام على الدين, وعادا
المشركين {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}([18]).
وما ذكرت
من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر فهو حديث صحيح,
وهو حجة عليك لا لك, فانظر من الذي يسب المسلمين, ويتولى المشركين, ويعادي من سبهم
فإذا كنا قد سببنا مسلماً يؤمن بالله واليوم الآخر ويوالي أوليائه ويعادي أعدائه,
وأنتم تذبون عن كل مسلم هذا وصفه وتسبون من سبه, فأنتم أسعد منا بالدليل؛ وإن كان
هذا وصفكم فما احتججتم به هو حجة خصمكم, وهذا لا يشك فيه عاقل, أصلاً أنا لا نسب
من ثبت على الإسلام, وأما أنتم فأكثرتم سبابه وتضليله والله المستعان.
وأما ما
ذكرت من سياقة قول ابن كثير: أن الهجرة لا تجب إلا على من لا يقدر عل إظهار دينه
إلى آخره؛ فهذا معنى ما ذكره العلماء في كتبهم, وهذا لا نزاع فيه عند أكثر
العلماء, ولكن عرِّفنا من لم تجب عليه الهجرة بإظهار دينه وهو آمن بذلك معروف فيكم
لم يستهزئ بأهل الإسلام , أو لم يركن إلى من استهزأ بهم ويعين أهل الباطل بلسانه؛
فيا ليت شعري من هو الذي فيكم يظهر دينه؟
وقد كنت أسأل عمن كنت أرى لهم معرفة فما أخبرني أحد عنهم بما يسرني في
ذلك, وهذه فتنة عمت فأعمت وأصمت فإنا لله وإنا إليه راجعون, فإن كنت ترى أن
اعتراضك على من استدل بالآيات والأحاديث على تحريم موالاة المشركين إظهاراً للدين
فالمصيبة أعظم ولا أخالك تسلم من ذلك لقوله: {وَلَلَبَسْنَا
عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ }([19]). وأنى لك بالسلامة وقد زلت بك القدم.....
وأما
قولك: ولا وجه لاستدلالك علينا بهذه الآية, فإن هذه الآية جهادية مع إمام متبع وهو
رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإذا كان هناك إمام متبع فعرِّفنا لعلنا نتبعه.
فأقول: قد
بينا خطأك في قولك: أن الآية جهادية, وأنه قول على الله وفي كتابه بلا علم, وقد
قال تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا
لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ }([20]).
ويقال: بأي كتاب, أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب
إلا مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في
الدين, والعدول عن سبيل المؤمنين, والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر,
من ذلك عموم الأمر بالجهاد, والترغيب فيه, والوعيد في تركه, قال تعالى: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } ([21]).وقال في سورة الحج{ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ
وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } ([22]).وكل
من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله, ولا يكون الإمام
إماماً إلا بالجهاد, لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام والحق عكس ما قلته يا رجل وقد قال
تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ
بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا
بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ
شَدِيدٍ} ([23]).وقال:
{ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ
الْعَالَمِينَ}([24]).
وفي الحديث " لا تزال طائفة" الحديث, والطائفة بحمد الله موجودة مجتمعة
على الحق يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ
لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ % إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ % وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ } ([25]).
أي واسع الفضل والعطاء عليم بمن يصلح للجهاد .
والعبر
والأدلة: على بطلان ما ألفته كثير في الكتاب والسنة والسير والأخبار وأقوال أهل
العلم بالأدلة والآثار لا تكاد تخفى على البليد.
إذا([26])
علم بقصة أبي بصير لما جاء مهاجراً فطلبت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يرده إليهم بالشرط الذي كان بينهم في صلح الحديبية فانفلت منهم حين قتل المشركين
الذين أتيا في طلبه.
فرجع إلى
الساحل, لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ويل أمه مسعر حرب لو كان
معه غيره" فتعرض لعير قريش – إذا أقبلت من الشام – يأخذ ويقتل فاستقل بحربهم
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا معه في صلح – القصة بطولها – فهل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأتم في قتال قريش, لأنكم لستم مع إمام؟ سبحان
الله ما أعظم مضرة الجهل على أهله, عياذاً بالله من معارضة الحق بالجهل والباطل,
قال الله تعالى:{ شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ
مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ
مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } ([27]).
ومعلوم:
أن الدين لا يقوم إلا بالجهاد ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد مع كل
بر وفاجر تفويتاً لأدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما, وارتكاباً بأخف الضررين لدفع
أعلاهما, فأن ما يدفع بالجهاد من فساد الدين أعظم من فجور الفاجر لأن بالجهاد يظهر
الدين ويقوى العمل به وبأحكامه, ويندفع الشرك وأهله حتى تكون الغلبة للمسلمين
والظهور لهم على الكافرين, وتندفع سورة أهل الباطل, فإنهم لو ظهروا لأفسدوا في
الأرض بالشرك والظلم والفساد وتعطيل الشرائع والبغي في الأرض. ويحصل بالجهاد مع
الفاجر من مصالح الدين ما لا يحصى, كما قال صلى الله عليه وسلم {إن الله ليؤيد هذا
الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم} ولو ترك الجهاد معه لفجوره لضعف الجهاد
وحصلت الفرقة والتخاذل, فيقوى بذلك أهل الشرك والباطل, الذين غرضهم الفساد وذهاب
الدين, فإذا ابتلي الناس بمن لا بصيرة له ولا علم ولا حلم, ونزل المشركين وأهل
الفساد من قلبه منزلة أهل الإسلام, لطمع يرجوه منهم, أو من أعوانهم, وأعانهم على
ظلمهم وصدقهم في كذبهم, فإنه لا يضر إلا نفسه, ولا يضر الله شيئا.
ويقال
أيضاً: كل من قام بإزاء العدو وعاداه, واجتهد في دفعه, فقد جاهد ولا بد وكل طائفة
تصادم عدو الله فلا بد أن يكون لها أئمة ترجع إلى أقوالها وتدبيرهم, وأحق الناس
بالإمامة من أقام الدين الأمثل فالأمثل, كما هو الواقع, فإن تابعه الناس أدوا
الواجب, وحصل التعاون على البر والتقوى وقوي أمر الجهاد, وإن لم يتابعوه أثموا
إثماً كبيراً بخذلانهم الإسلام.
وأما
القائم به: فكلما قلت أعوانه وأنصاره, صار أعظم لأجره, كما دل على ذلك الكتاب والسنة
والإجماع, كما قال تعالى:{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ
اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ
الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} ([28]).
و قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ([29]).
و قال الله تعالى:{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ
اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ %الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ
يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ
وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } ([30]).
وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ
دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم ٌ } ([31]).
وقال الله تعالى: { فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا
لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ([32]).
وقال الله تعالى:{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ
مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ
الصَّابِرِينَ} ([33]).
وقال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لا يَفْقَهُونَ} ([34]).
وقال الله تعالى:{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ([35]).
ولا ريب:
أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة, والمخاطب به المؤمنون؛ فإذا كان هناك طائفة
مجتمعة لها منعة, وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه لا يسقط عنها
فرضه بحال, ولا عن جميع الطوائف, لما ذكرت من الآيات, وقد تقدم الحديث " لا
تزال طائفة" الحديث فليس في الكتاب والسنة: ما يدل على أن الجهاد يسقط في حال
دون حال, ولا يجب على أحد دون أحد, إلا ما استثني في سورة براءة ؛ وتأمل قوله
تعالى ولينصرن الله من ينصره الحج 40 وقوله ومن يتولى الله ورسوله والذين أمنوا
...الآية المائدة 56 وكل يفيد العموم بلا تخصيص؛ فأين تذهب عقولكم عن هذا القرآن؟
وقد عرفت مما تقدم أن خطاب الله تعالى يتعلق بكل مكلف من الأولين والآخرين, وأن في
القرآن خطاباً ببعض الشرائع, خرج مخرج الخصوص وأريد به العموم, كقوله تعالى {يا
أيها النبي جاهد الكفار والنافقين } ([36]).
وقد تقدم ما يشير إلى هذا بحمد الله, وذلك معلوم عند العلماء, بل عند من كان له
ممارسة في العلم والأحكام, فلهذا اقتصرنا على هذا القول وبالله التوفيق{ ([37]).
ثم وكما
مر معنا فلا يوجد الآن أمير عام للمؤمنين إنما هي طوائف ممتنعة مستندة في منعتها
إلى الكفار الأصليين أو الفرعيين وكل طائفة من هذه الطوائف تعترف بالأخرى فرئيس
الطائفة الممتنعة بشوكتها فرعياً وبشوكة أمريكا أساساً الممتنعة عن تطبيق الشرائع
في جزيرة العرب تعترف بالطائفة الممتنعة في لبنان مع أنهم نصارى وتعترف بالطائفة
الممتنعة في ليبيا مع أن علماء الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشرائع كفرت الطائفة
الليبية وكانت تعترف بالطوائف في العراق واليمن الجنوبي ولا زالت تعترف بالطوائف
الممتنعة في سوريا وحكمها النصيري ومصر والجزائر وتونس العلمانيين والإماء
الأمريكية في الخليج.
ولكن لما قامت طائفة
ممتنعة تنادي بالجهاد وتحرير البلاد أنكرت عليها طائفة آل سعود وعلماؤهم لأن هذه
الطائفة خارجة على التعليمات الأمريكية والتحالف الصهيوني البروتستنتي فلماذا يحلل
علماء الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشرائع في السعودية للكفار ويحرمون على
المسلمين؟.
الجواب واضح وسهل وهو
لأنهم أداة من أدوات الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشرائع في حربها على
الإسلام.
ثم عندما سقطت الخلافة
على أيدي التتار هل ترك المسلمون الجهاد لفقد الأمير أم أنهم جاهدوا زرافات
ووحدانا ثم التقوا على أمير للجهاد وأخرجوا التتار من ديار الإسلام؟ وعندما حصل
الاحتلال الغربي الحديث هل ترك المسلمون الجهاد أم قاموا كل من ناحيته يصاول هؤلاء
الكفرة ؟
إن فتاوى علماء أل
سعود لا يمكن فهمها إلا أنها مظاهرة لمحور الشر المتمثل في التحالف الصهيوني
البروتستنتي الردِّي في حربهم على
الإسلام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق