موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 26 مايو 2013

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (116)

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (116)
رضوان محمود نموس
تابع الاستجـوابات
إن الدولة أعلنت في دستورها أنها دولة إسلامية, وإن دولة إسلامية لا تحافظ على دينها من أن يُمَسَّ ولا على كرامتها أن تُجرح لهي دولة أعوذ بالله أن تكون مصر من أمثالها !
لقد بلغت الدرجة بالدكتور طه حسين أن يذكر في كتابه أن حادثة إبراهيم وإسماعيل -التي نصَّ الكتاب عليها- حادثة لا يعوِّل عليها التاريخ, ولا يمكن التسليم بها, وإنما هي حادثة أرجعها المسلمون لسبب مخصوص هو سبب سياسي أكثر منه دينيّاً
وقد جاء في كتابه بالصفحة 26 ما يأتي:
(للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل, وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا...).
معنى هذا أن دعوى الله أن شيئاً حصل لا ينهض دليلاً على أن هذا الشيء حصل, والله يعلم أن هذا يساوي في قوله إن الله كذاب فيما قال !
ثم جاء في الصفحة المذكورة: (... فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها....).
وقد جاء بالصفحة 27 ما يأتي: (وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح).
كلمة (الأسطورة) يا حضرات الزملاء لا تقال إلا للخرافات, أو الترَّهات, فالقول بأن هذه القصة التي وردت في كتاب الله العزيز خرافة, يعني أن الله يخرِّف, ونحن نؤمن بتخريفه... (مقاطعة)... أنا والله لا أريد التشنيع, ولكنني أريد أن أذكر حقيقة, أريد أن أقول لأقوام لا يرون رأينا, ويدّعون أن البحث أمر واجب حرّ, وأنه لا يجوز لنا أن نقيِّد حرية الناس في آرائهم - أقول لهم إننا لا نقيِّد حريتهم في عقائدهم, ولكنا نقيد آراء تلقّن أولادنا, وتشاع على أفراد الأمة ما بين متعلِّم وغير متعلِّم, ولا بد أن يكون ذلك داعية الضلال والفسوق, فإذا لم أُطِل بينكم الليلة في سرد النصوص الواردة في هذا الكتاب, وذكر العبارات الشنيعة التي لا تدل إلا على زندقة, فلأنني لا أريد إدخال الحزن على قلوبكم, ولأني لا أودّ أن أرى دموعكم تسيل جزعاً على دينكم وشرف دولتكم.
إننا لا نتكلَّم في هذا إلا بباعث المحافظة على الدين, وليس ذلك بالأمر الذي يهمُّ المسلم دون غيره, فإن كرامة الأديان على السواء يجب أن تكون محفوظة...
إنني لا أخشى أن يقال: إننا نتكلم متعصِّبين تعصباً دينياً, لأنه إذا كان التعصب الديني هو المحافظة على كرامة الأديان جميعاً فإنني أول المتعصبين.
كنت أودّ بعد أن قرأت لكم كلمات المؤلف أن أقرأ لكم كلمات الله فيما كذَّبه المؤلف, ولكني لا أظن أنكم في حاجة إلى ذلك.
نريد أن نثبت في تاريخ عملنا أننا لا نقبل أبداً أن يتهوَّر متهوِّر على الدين, تهوراً يحطُّ كرامته وكرامة الدولة, فإن الطعن في دين الدولة طعن في الدولة, هو طعن في كل فرد من أفرادها. لا نرضى أن يسجل علينا التاريخ أنه قد فتح بيننا هذا الباب, ونشر بيننا هذا الكتاب, وقامت عليه الضجة التي قامت, ثم يمرُّ علينا كما يمرُّ السحاب دون أن ينال المسيء جزاء إساءته, لا أريد أن يقال: طُعن في الدين, وشُهر به, ومرَّ الأمر على مجلس النواب, وخرج الطاعن نظيفاً بدون جزاء !
إن الرحمة واجبة, ولكن ليس في الدين, وقد أوجب الدين أن يرجم بعض من يرتكب الجرم فما بالكم فيمن يدَّعي أن الله كاذب, وأن النبي كاذب, وأن المؤمنين جاهلون لا يفرِّقون بين الحق والباطل؟
ولا يجوز أن يُكتفى مطلقاً بأن المؤلف صرَّح في الصحف بأنه مسلم, وإني ألفت نظركم إلى أن الدكتور المؤلف لم تسمح له نفسه -مع أن الموقف كان شديداً والإلحاح عليه كثيراً- أن يكتب كلمة يشرح بها ما قال, أو أن يؤوِّله بمعنى يُفهم منه خلاف ما فهمنا.
إذا كان قد ارتدَّ بكتابه ثم رجع إلى الإسلام بعد ذلك فهو مسلم, ولكن التوبة لا تغفر الذنب ولا تُعفي من العقوبة, وقد كنت أريد أن أقترح اقتراحاً خاصاً, ولكني اطلعت على اقتراح لحضرة عبد الحميد البنان بك ووافقت عليه.
الرئيس: تلا اقتراح حضرة عبد الحميد بنان بك ونصه:
(أقترح على المجلس الموقر تكليف الحكومة:
أولاً: مصادرة وإعدام كتاب طه حسين المسمَّى (في الشعر الجاهلي)....).
ثم تلي اقتراح حضرة محمود لطيف بك وهذا نصه:
(أقترح بعد البيانات التي سمعها المجلس الموقَّر عن كتاب (في الشعر الجاهلي) أن يقرِّر المجلس رغبته إلى الوزارة في معاقبة مؤلف هذا الكتاب, الذي أهان في مؤلَّفه الشرائع السماوية والأنبياء, وأهان فيه دين الدولة الرسمي, وأن تتخذ الوزارة ما يحفظ المعاهد العلمية من أن تكون مقاماً لمثل هذا التهجم, مع اتخاذ اللازم لإعدام النسخ الموجودة من هذا الكتاب).
الرئيس: هل يريد مقدِّم الاقتراح الأول أن يؤخذ الرأي على اقتراحه فقرة  فقرة.
عبد الحميد البنان أفندي: نعم.

- بيان رئيس الحكومة
وتحت هذا العنوان نقل الرافعي بيان رئيس الحكومة ومناقشة رئيس مجلس النواب ووزير المعارف وبعض النواب. وأهم ما جاء فيه: تهديد رئيس الوزراء باستقالة الحكومة إذا أصر المجلس على رفع القضية إلى النيابة ومعاقبة طه حسين لما في ذلك من انتقادات لإجراءات الحكومة.
و كان –كما سبق أن ذكرنا- رئيس مجلس النواب سعد زغلول باشا, ورئيس الحكومة (عدلي يكن)([1]).
q                 في 29 يونيو 1927م أثير موضوع طه حسين, وعمله في الجامعة , وأثره في الطلاب مرة أخرى.
-               فقد قدَّم الأستاذ محمود رشاد سؤالاً إلى وزير المعارف -علي الشمسي-   بمجلس الشيوخ هذا نصه:
(في الدورة البرلمانية الثالثة أُثير في مجلس النواب مسألة مؤلَّف أصدره الأستاذ طه حسين أفندي سماه (في الشعر الجاهلي) أوجب ضمه, وقدمت بخصوصه شكاوى إلى النيابة العمومية, وانتهى التحقيق فيها بقرار الحفظ, لعدم توفر القصد الجنائي لدى المؤلِّف توفراً يوجب محاكمته جنائياً, وقد جاء في أسباب هذا القرار ما دعا الأستاذ طه حسين إلى تقديم استقالته من وظيفته في الجامعة المصرية, وأن هذه الاستقالة لم تقبل, فأرجو إفادتي عن السبب الذي دعا إلى عدم قبولها).
q                 وفي الجلسة الرابعة والعشرين لمجلس النواب في 28 مارس 1932م فتح باب الحديث عن طه حسين. قال الدكتور عبد الحميد سعيد: إن مسألة الدكتور مسألة ليست حديثة, ولا هي بالتي يجهلها إنسان من هذه الأمة, فقد استنكرتها الأمة بهيئاتها اللَّهم إلا نفر قليل.
قامت ضجة حول هذا الرجل تراجع صداها في مجلس النواب السابق, واحتجَّ عليه النواب, وكان المجتمعون أمس هم الذين يدافعون عنه الآن. في 1926م كان المرحوم سعد باشا زغلول أشدَّ حماسة ضد كتاب الدكتور, وقد دافع عدلي باشا وجماعة الأحرار الدستوريين عنه, وأن الوزراء الوفديين جارَوْه خوفاً على كراسي الحكم, وهي الغاية العظمى لهؤلاء الناس, فعلوا ذلك فكانت النتيجة أن خلص هذا الرجل من العقاب, كانوا في ذلك الوقت يعتقدون أن بقاءهم في الحكم رهن ببقاء عدلي باشا فانضموا إليه... وفي سنة 1929م أثرتُ أنا هذا الموضوع, وطلبتُ إبعاد هذا الرجل عن الجامعة, ثم أثاره زميلي عبد العزيز الصوفاني, وأُثير الموضوع في مجلس الشيوخ مرتين بواسطة الشيخ سعيد الرومي, وثانيهما بواسطة الشيخ رشاد باشا. ومن هذا يتضح أن الضجَّة القائمة ليس الغرض منها استقلال الجامعة, وإنما هي الحزبية العمياء.
كان (الشعر الجاهلي) الذي ضجَّت عند صدوره البلاد, ولا يزال يدرس في الجامعة بعنوان في (الأدب الجاهلي), ولكن تغيير العنوان لم يغيِّر من روحه اللادينية؛ فإن السموم التي أراد الدكتور أن ينفثها في كتابه لا تزال ماثلة في كثير من فصوله ومباحثه كما أنه قد زيَّن للشبان وسائل المجون والفجور في كتابه (حديث الأربعاء). إن كل ما جاء في هذا الكتاب (الأدب الجاهلي) مخالف للكتاب والسنة, وإن تعرضه للقرآن بهذه الكيفية من غير احتياج إليه في حجة, دليل على سوء القصد, وفي جريمة أقل نتائجها أن يخرج القارئ لكتابه في شكٍّ من كتاب الله والشك به, ومما يدل على سوء نيته أنه يختار بقلمه ولسانه أخبث مناحي الحياة مع التهكُّم والتعريض, بأقدس ما يقدسه الناس من فضيلة ودين, فهو يذكر المجون, ويذكر الفجور, ويروِّج لهما بإخلاص وصدق عزيمة. وقد أثَّرت هذه النظريات في عقول الشبان, ورسخت في أذهانهم. وليس هذا بغريب لأن الشبان كما نعلم جميعاً لا يلمُّون بأصول الدين, ولا يتمسَّكون بشعاره.
نشأ هذا الرجل في الجامعة الأزهرية, واشتهر بين إخوانه بتلك النزعة اللادينية, والآراء الشاذة, واعترض في حياته أمور غرست في نفسه عاطفة الحقد والحنق على الأزهر, ثم على الإسلام من أجل الأزهر, فشب عدواً للدين وتعاليمه, يشوِّه كل ما هو منسوب إليه, ومن تتبع حياته العلمية وجد أنه يذهب في كل مسألة بالإسلام مذهب أعداء الدين وخصومه الألدَّاء.
وهناك نقطة ضعف في حياته بسط تفاصيلها صديقه الحميم الأستاذ المازني في كتابه (قبض الريح), وهي ترجع إلى ما أحدثه كفُّ بصره من التأثير في مزاجه وفي تفكيره  وإحساسه ونظرته إلى الحياة والناس, فهو لا يرى في الحب إلا التمتُّع الماديّ, ولأنه مكفوف البصر إذا لم يتقيد بالفضيلة جرى على لسانه ما يجري على لسان بشَّار بن بُرد من فحش القول, والتغنِّي بالحبِّ الحيواني, وإن كان من أهل الفضيلة والاحتشام كان كأبي العلاء المعرِّي زاهداً عفيفاً ولكنه سيء الرأي في المرأة يعتقد أنها متاع فقط. إننا لا نشكو منه حرية الرأي, ولا مما يؤدي إليه من بحوث علمية وأدبية بريئة, ولكنا نشكو منه غِلاً رَانَ على قلبه نحو الإسلام والمسلمين, نشكو منه أن يتخذ من الجامعة حصناً يقترف من خلف أسواره غاراته السامة الخانقة فيصيب من الأخلاق والآداب مقتلاً, ثم ينفث سمومه في نفوس الطلبة وهم غير مسلحين بالدين, وغير مدرَّعين بتلك التعاليم التي يمكنهم -لو كانوا يعلمونها- أن يهدُّوا بها الجبال.
هذا الرجل يكلِّف بعض طلبته أن ينقدوا بعض آيات من القرآن الكريم يعيِّنها لهم, ويطلب منهم إثبات هذا النقد في كراسات يتلونها عليه, فكانوا يثبتون أن هذه الآية ليست من البلاغة, وأن تلك الآية على جانب من الركاكة, وأن الآية الأخرى مفكَّكة لا تؤدي المعنى المقصود منها. ولقد غاب عن هذا الرجل أنه لا يصحُّ التصدِّي لتعبير القرآن إلا لمن يتوافر فيه شروط أساسية أهمها:
أن يكون ملمّاً بكل فروع اللغة العربية وآدابها, وأن يكون واسع الاطلاع, عليماً بأسباب النزول, والناسخ والمنسوخ, والمحكم والمتشابه, وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده, فهل تتوافر هذه الشروط في الطلبة كما تتوافر فيمن يتعرض لتفسير كتاب الله؟, فما بالكم بمن يريد أن ينقده, وسأتلو عليكم بعض ما أثبته أحد طلبة الدكتور طه حسين في كراسته مما كان يلقيه عليهم, فالتقطه الطلبة عنه, وسجلوه في كراساتهم, وهذه إحدى المذكّرات التي أخذت من المحاضرات التي ألقاها الدكتور طه حسين في كلية الآداب بقصر الزعفران (1927 – 1928م):
"وصلنا في المحاضرة الماضية إلى موضوع اختلاف الأساليب في القرآن, وقررنا أنه ليس على نسق واحد واليوم نوضِّح هذه الفكرة.
لا شك أن الباحث الناقد, والمفكر الحرّ الذي لا يفرِّق في نقده بين القرآن, وبين أي كتاب أدبي آخر, يلاحظ أن في القرآن أسلوبين متعارضين, لا يربط الأول بالثاني صلة ولا علاقة, مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا الكتاب قد خضع لظروف مختلفة, وتأثير بيئات متباينة, فمثلاً نرى القِسم المكيَّ منه يمتاز بكل ميزات الأوساط المنحطة, كما نشاهد في القِسم المدنيّ واليثربيّ تلوح عليه أمارات الثقافة والاستنارة.
 فإذا دقَّقتم النظر وجدتم القسم المكيّ ينفرد بالعنف والقسوة, والحدَّة والغضب, والسباب, والوعيد والتهديد, ويمتاز كذلك بقطع الفكرة واقتضاب المعاني, وقصر الآيات والخلوّ التام من التشريع والقوانين, كما يكثر فيه القسم بالشمس والقمر والنجوم إلى آخر ما هو جدير بالبيئات الجاهلية الساذجة, التي تشبه بيئة مكة وانحطاطها.
أما القسم المدني فهو هادئ لين, وديع مسالم, يقابل السوء بالحسنى, وينافس الخصوم بالحجة الهادئة, والبرهان الساكن الرزين, كما أن هذا القسم ينفرد بالتشريعات الإسلامية, كالمواريث, والوصايا, والزواج, والطلاق, والبيوع, وسائر المعاملات. ولا شك أن هذا أثر واضح من آثار التوراة والبيئة اليهودية التي ثقفت المهاجرين إلى يثرب ثقافة واضحة يشهد بها هذا التغيير الفجائي الذي ظهر على أسلوب القرآن "اهـ.
ويقول عبد الحميد سعيد: فكأنه يريد القول صراحة: إن القرآن مأخوذ من التوراة. ومما جاء به قول طه حسين: ليس القرآن إلا كتاباً ككلِّ الكتب الخاضعة للنقد, فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها. والعلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر نهائياً عن قداسته التي تتصورونها, وأن تعتبروه كتاباً عادياً, فتقولوا فيه كلمتكم, ويجب أن يختصَّ كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب, ويبيِّن ما يأخذه عليه.
وقال: كما تحدَّث عن فواتح السور. وكتاباته: (في الأدب الجاهلي), و (حديث الأربعاء) محشوَّة بالطعن على الدين, والتحريض على الفسق والفجور.
وأشار إلى تحقيق النيابة معه 1926م, وكيف أن المبادئ التي تضمنها كتابه (في الأدب الجاهلي) ورد مثلها في كتب بعض كتب المستشرقين, وأن كتبه تتعرض لنشر المساوئ والعورات في عصور الإسلام الزاهرة, هذا هو أدب الرجل الذي يرأس كلية الآداب, والذي يعهد إليه المسلمون بتعليم أبنائهم وتربيتهم.
وأشار إلى الحكومات التي سكتت عن هذا الرجل, وتركته يهدم الأخلاق والآداب, ويعتدي على الدين, فهي شريكة له في إثمه.
 وقال: لقد شاع هنا في البلاد العربية أن هناك صلة بين الدكتور طه حسين وبين دعاة التنصير. يثبت هذا التحقيق الذي أجرته النيابة, وهو ينفث سمومه, ويحتمي باستقلال الجامعة. وما وُجدت الجامعات إلا لتدعيم الأخلاق, وتربية الفضيلة, فإذا خرجت عن هذه القواعد فعدمُها خير من وجودها. إنه لا يكفينا مطلقاً أن يُنقَل طه حسين من الجامعة إلى المعارف؛ لأنه مركز يمكِّنه من الإشراف على كتب التعليم. وفي هذا من الخطر ما فيه, وإن هذا النقل كنقل جيش الاحتلال من مصر إلى القنال.
q                                  في 31 /3 /1932م: قرَّر مجلس الوزراء فصل طه حسين من خدمة الحكومة, وجاء ذلك نتيجة للتحقيقات التي أظهرت كثيراً من التصرفات. وبعد أن مرت عدة إجراءات في مقدمتها استجواب الدكتور عبد الحميد سعيد في مجلس النواب (6 / 3 / 1932م).
وأُشيرَ إلى الأخطاء التي اتصلت بإنشاء معهد التمثيل والرقص التوقيعي الذي أنشأه الدكتور, وما يتصل بها من صورة نشرت في الأهرام عدد / 16959 تمثل طلبة المعهد وقد جلست كل شابة إلى جانب شاب.
كما أُشيرَ إلى تحريض الدكتور طه لأساتذة الجامعة بالامتناع عن التدريس في كليات الأزهر, وأن هذا يهدف إلى محاربة هذا المعهد الإسلامي.
 وأُشيرَ إلى محاباة الدكتور طه لبعض الأساتذة الأجانب؛ رعاية لجنسيتهم بالرغم من عدم كفايتهم الإدارية, وعدم كفاءتهم العلمية, وأن هناك اتصالات مباشرة بهيئات سياسية أجنبية بشأن توظيف الموظَّفين في الجامعة ممَّا يؤدي أحياناً إلى خلق صعوبات([2]).
q                 وأُثيرت مسألة طه حسين مرة أخرى في مجلس النواب يوليو 1939م, واشترك فيها الدكتور عبد الحميد سعيد مرة أخرى, ومعه عدد من النواب العلماء, محمد عبد اللطيف دراز, ورضوان السيد. وكان الموضوع هو مهاجمة السياسة الدينية للجامعة المصرية وكلية الآداب.
قال الدكتور عبد الحميد سعيد:
[ليست نظرية فصل الدين عن التعليم إلا ستاراً للإلحاد, والإباحة, والخروج على الآداب والأخلاق والتقاليد الدينية والقومية ولهذه النظرية قال أولئك المخربون المدمرون إنه يجب تحرير العلم من سلطان الدين, كأن الدِّين نير ثقيل, أو حاجز منيع في وجه العلم. وفي السويد قانون يمنع الشخص من تغيير دينه ويحرِّم عليه اعتناق دين غير دين البلاد الرسمي وقد حدث أن أحد علمائها وهو أستاذ بجامعة أبسالو اعتنق الديانة الإسلامية فكان جزاؤه أن طُرد من الجامعة وحُرم من حقوقه السياسية والمدنية وهنا نطعن في الدين وعلى أشرف المرسلين وعلى أخلاقنا وعلى تقاليدنا ثم لا تحرك الحكومة ساكناً. إن العلم قابل للتطور والتغيير لأنه نتيجة لعمل الإنسان وتجاربه وكثيراً ما نرى نظريات علمية يطغى بعضها على بعض ويلغي بعضها البعض الآخر. ولكن الدين الصحيح لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه من وضع خالق البشر. فلا نريد بعد اليوم أن نسمع هذه الدعوة الفاسدة: دعوة حرية الفكر التي في ظلها تُنشر الكتب التي تدعو إلى الكفر والطعن في سيد الأنبياء والمرسلين والتي في ظلِّها تُهدم الفضيلة والأخلاق والعقائد.
عباس العقاد: إنني أقرر باسم الدستور الذي يقرر أن الناس أحرار في عقائدهم.
عبد الحميد سعيد: هناك حدود للقانون إذا تجاوزها انقلب الوضع, وانقلب الدستور.
علي عبد الرازق: يجب أن يكون هذا المجلس هو آخر مكان تُصادَر فيه حرية الفكر
عبد الحميد سعيد: أنا لا أسمح لحضرة النائب المحترم أن يقاطعني: إن حرية الرأي ليس معناها الاعتداء على الدين.
أحمد والي الجندي: إن الدين شيء والتفكير شيء آخر.
عبد الحميد سعيد: في سبيل الدين تُبذل الأرواح, ودين الدولة الرسمي هو الإسلام كنص الدستور فإذا رأيتم حذف هذا النص من الدستور فاحذفوه.
أنا لا أريد الحَجر على حرية الرأي بحال من الأحوال ولكن لهذه الحرية حدٌّ يجب أن لا تتعداه, إنني لا أشكو ممن ينشر الإلحاد في الجامعة ولا أمثاله, ولكن أشكو منهم غلاً ران على قلوبهم نحو الإسلام والمسلمين, أشكو منهم أن يتخذوا من الجامعة حصناً يقومون من وراء أسواره بالغارات الخانقة القاتلة, والقنابل المفرقعة المدمرة فيصيبون من الأخلاق مقتلاً وينفثون سمومه في نفوس الطلبة العزَّل من سلاح الدين وتعاليمه, ولو كانوا مسلمين لردُّوا كيد المعتدي في نحره ولنكلوا بأولئك الذين ينكلون بالدين والأخلاق.
وزير المعارف([3]): هل لحضرة النائب أن يذكر أمثلة لما يقول.
عبد الحميد سعيد: أرجو من معالي وزير المعارف أن لا يقاطعني إذا كان معاليه يجهل الأمثلة التي يطالبني بذكرها والتي تثبت الاعتداء على الدين والأخلاق والفضيلة في كلية الآداب فلا يصح أن يبقى في كرسي الوزارة.
وليت هذا الفساد كان قاصراً على الجامعة بل تعداها إلى سائر المدارس المصرية, بل تسرَّب إلى البلاد العربية الأخرى فيا للفضيحة والعار, أنا لا أريد الحجر على حرية الرأي كما قلت ولكن للحرية حدوداً يجب أن لا يتعداها فإذا تعدتها قضينا على النظام والأخلاق والفضيلة باسم حرية الرأي. إن ما يقوم به المستشرقون وما يرموننا به من شر وبلاء مع كبره وعظمته لا يقاس مطلقاً بجانب ما أصابنا مما يلقى من دروس في الإلحاد والإباحة.
إن الجامعة تسلم هؤلاء الشبَّان الذين لم يتعلموا شيئاً من أصول دينهم إلى رجل يُلقي في نفوسهم الزندقة والكفر فيفسد عقائدهم وأخلاقهم ووزارة المعارف هي المسؤولة عن ذلك لأنها لم تعلمهم أصول دينهم وتقاليده. والله لو كان هذا الرجل في بلاد أخرى لما عاش ليلة واحدة. لقد تكفلت الاتفاقات الدولية بحماية المستشفيات والمعابد والكنائس بحيث لا تنتهك حرمتها أثناء الحروب ولكن إذا خرجت هذه الأماكن عما خصصت له, واستعملت لأغراض حربية أباحت تلك الاتفاقات الدولية الاعتداء عليها وهدمها ونحن لا نقبل مطلقاً أن تكون الجامعة المصرية ستاراً لهدم الدين والأخلاق والفضيلة.
لقد قمت أنا وزملاؤكم في البرلمانات الماضية بمحاربة هذا التيار الجارف من يوم ظهر الإلحاد في كلية الآداب وفي المدارس الأخرى ومع الأسف أن أولئك الأشخاص الذين ينشرون الإلحاد قد وجدوا إغماضاً وتسامحاً بل تمتعوا في بعض الأحيان بحماية محرَّمة. منذ ذلك اليوم وفي عهد سعد زغلول باشا والحرب القائمة بين الإيمان والكفر وبين الفجور والفضيلة وبين الفساد ومكارم الأخلاق وقد اشترك في هذه الحرب إخوان لكم كرام كانوا يمثلون كل الأحزاب... ومن هؤلاء المجاهدين من قضى نحبه أمثال الأستاذ عبد الخالق عطية وفضيلة الأستاذ القاياتي ومنهم من لا يزالون على قيد الحياة أمثال السيد حسين باشا وعبد الحميد البنان وعبد العزيز الصوفاني وآخرون في مجلس الشيوخ, هؤلاء جميعاً قد وقفوا صفاً واحداً لمحاربة هذا التيار المدمِّر, وكانت هناك دعوى في النيابة واتهام ودفاع انتهت بتقرير وضعه المرحوم محمد نور رئيس النيابة إذ ذاك, فأثبت التهمة على المدَّعي وكان مسفِّها لآرائه الفاسدة النجسة, ومع كل ذلك لا يزال هذا الرجل على رأس كلية الآداب ولا يزال ذلك الرجل الذي قال  إن قصة إبراهيم وإسماعيل خيال في خيال والذي طعن على الرسالة المحمدية بالكذب والبهتان لا يزال صاحب هذا التاريخ الدنس ينشر آراءه الفاسدة المخزية في الجامعة المصرية الإسلامية التي قال وتقول الحكومة المصرية الإسلامية: إنها فخر مصر, مثل هذا الذي يقع في الجامعة المصرية والله لا يمكن أن يقع في بلد آخر غير مصر.
الرئيس: لقد مضى على هذا ثلاثة عشر عاماً. فتكلَّم في التاريخ الحديث.
عبد الحميد سعيد: إنني أتكلم في الموضوع لأن صاحب هذا التاريخ لا يزال يُلقي على أبناء الجامعة تعاليمه الخبيثة في ظلِّ هذه الإباحة وتحت ستار حرية التفكير تُنشر المبادئ الضارة المخربة ويجندون ما يسمُّونه بحرية المرأة واختلاط الجنسين وما من شكٍّ في أن اختلاط الجنسين وخصوصاً الطلبة والطالبات مهما تفلسف المتفلسفون في تبريره ليس إلا ناشراً للفساد ومشجعاً عليه وباعثاً على الإباحة ومدمِّراً للأخلاق والفضيلة.




[1] - انظر " تحت راية القرآن " ص / 382 وما بعدها.
 -[2]   الأهرام 3/ 4/  1932, الصحف 9/ 3/ 1932.
[3] - وكان وقتها هو محمد حسين هيكل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.