موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 12 مايو 2013

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (115)


أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (115)
وطه حسين عينه عمارة رائداً للصحوة
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن طه حسين الذي عينه عمارة رائداً للصحوة الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل, والرائد الرابع من الناحية التاريخية وهو الثاني والأهم من ناحية التأثير هو محمد عبده. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر:  (الجزيرة نت) 3/11/2010
·    الاستجـوابات
[ تتمثل المواقف الحاسمة في حياة طه حسين الفكرية -حسب تقديره هو- في الآثار المترتبة على حادث كتاب (الشعر الجاهلي) الذي كان علامة على طريق طويل في مواجهة ممتدة مع بيئات الفكر الإسلامي, وحركة اليقظة الإسلامية, والبرلمان, وممثلي الأمة, والأزهر, والجمعيات الإسلامية. وقد امتدت هذه المواقف من أزمة 1926م إلى أزمة 1932م, التي قضت بإخراج طه حسين من الجامعة. ثم كان ذلك التحول الذي أراد به طه حسين أن يعود إلى حظيرة الإسلام مرة أخرى (مخادِعاً) لا حباً في الإسلام؛ بل رغبة في التأثير فيه, وخلق كيان فكري له يتمثل في مجموعة من الآراء يمكن أن يقال من بعد إنها رأي عالم أزهري درس في أوربا. وتنطوي هذه الآراء على انتقاص تكامل الإسلام, والضرب على نغمة (روحية) الإسلام, وأنه دين لاهوتي عبادي, لا صلة له بالحياة, ولا بالأخلاق, ولا بنظام المجتمع. وذلك جوهر النظرة الاستشراقية الغربية التي تستهدف عزل الإسلام عن التطبيق وهي قمة ما كشفت عن زيفه حركة اليقظة التي قاومت طه حسين وحواريه.
لقد كانت حركة طه حسين في الشعر الجاهلي عملاً أحفظ عليه النفوس, فلا عليه من أن يعود إلى إرضاء الجماهير عن طريق الدِّين بكتابه (هامش السيرة) و (الوعد الحق) و (الفتنة الكبرى), كلها في مظهرها العام دراسات إسلامية أشاد تلاميذه وحواريوه بها؛ لإقناع الشعب بأنه أصبح وطنياً مخلصاً. وكان الهدف من ذلك هو إعادة الثقة إلى نفسه ليكون قادراً على أداء دوره الخطير الذي تمثّل بعد ذلك في أشياء كثيرة أهمها: التأثير عند المناهج التربوية في الجامعة ووزارة المعارف, وخاصة برنامجه في (مستقبل الثقافة), وهو العمل الذي اختير لتنفيذه مراقباً للثقافة, ومستشاراً, ومديراً للجامعة, ووزيراً للمعارف.
ولم تتوقف محاسبة طه حسين خلال الفترة من (1926-1940م)؛ بل توالت في الدورات المختلفة تكشف عن محاولاته, وتدافع عن عقائد شباب المسلمين. وفي كل مرة كان هناك عمل جديد يقذف به حافلاً بالسموم والشبهات, وفي كل مرة نجد ألسنة جديدة, وأقلاماً جديدة, وحقائق دامغة.
q                 ففي عام 1926م وبعد ظهور كتاب (في الشعر الجاهلي)
-               تقدَّم عبد الحميد البنان إلى مجلس النواب باستجواب يتضمن:
أولاً: مصادرة وإعدام كتاب طه حسين المسمَّى (بالشعر الجاهلي), بمناسبة ما جاء به من تكذيب في القرآن الكريم, واتخاذ ما يلزم لاسترداد المبلغ المدفوع إليه من الجامعة ثمناً لهذا الكتاب.

ثانياً: تكليف النيابة العمومية برفع الدعوى العمومية عليه لطعنه في الدين الإسلامي دين الدولة.
ثالثاً: إلغاء وظيفته في الجامعة.
-               وقد تقدَّم الشيخ خليل حسنين الطالب بالقسم العالي بالأزهر إلى النائب العام ببلاغ, يتَّهم فيه طه حسين بأنه ألَّف كتابا أسماه (في الشعر الجاهلي) فيه طعن جريء بالقرآن العظيم؛ حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي, كما أرسل الجامع الأزهر إلى النائب العام خطاباً يبلغ إليه رأي علماء الجامع الأزهر.
-               وقد لخصَّت النيابة الاتهامات في أربع مسائل كبرى:
الأول: أن المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في أخباره عن إبراهيم وإسماعيل؛ حيث ذكر في ص26 من كتابه ما يلي:
(للتوراة أن تحدِّثنا عن إبراهيم وإسماعيل, وللقرآن أن يحدِّثنا عنهما أيضاً, ولكن...) إلى آخر ما جاء في هذا الصدد.
الثاني: ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعاً, وأنه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله, وأن هذه القراءات إنما قرأتها العرب حسبما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه, مع أننا معاشر المسلمين نعلم أن كل هذه القراءات مروية عن الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أن المؤلف طعن في كتابه على النبي صلى الله عليه وسلم طعناً فاحشاً من حيث نَسُبه. فقال في ص72 من كتابه:[ ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين, وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش. فالأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم, وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف, وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي, وأن تكون قصي صفوة قريش, وقريش صفوة مُضَر, ومُضَر صفوة عدنان, وعدنان صفوة العرب, والعرب صفوة الإنسانية كلها ].
وقالوا: إن تعدي المؤلف بالتعريض بنسب النبي, والتحقير من قدره هو تعدٍّ على الدين, وجرم عظيم يسيء إلى المسلمين والإسلام. فهو قد اجترأ في أمر لم يسبقه كافر ولا مشرك.
الرابع: أن المؤلف أنكر أن للإسلام أوليَّة في بلاد العرب, وأنه دين إبراهيم؛ إذ يقول في ص80: [ أما المسلمون فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أوليَّة في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي, وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل ] إلى أن قال في ص 81:
[ وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدِّد دين إبراهيم, ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور, ثم أعرضت عنه لما أضلَّها به المضلون, وانصرفت إلى عبادة الأوثان ].
    - وأشار التقرير الذي قدمه علماء الأزهر (محمد حسنين الغمرواي, أحمد العوامري, محمد عبد المطلب) عن كتاب الشعر الجاهلي: أن الكتاب في شيء كثير يناقض الدين الإسلامي, ويمسُّه مسّاً مختلف الدرجات في أصوله وفروعه:
أولاً: أضاع علي المسلمين الوحدة القومية والعاطفة الدينية وكل ما يتصل بهما (المقدمة).
ثانياً: أضاع عليهم الإيمان بتواتر القرآن وقراءاته وأنها وحي من الله (باب اللهجات).
ثالثاً: أضاع عليهم كرامة السلف من أئمة الدين واللغة, وعرفان فضلهم (باب السياسة والدين).
رابعاً: وأضاع عليهم الثقة في سيرة النبي في كل ما كتب فيها.
خامساً: أضاع عليهم الاعتقاد بصدق القرآن وتنزيهه عن الكذب.
سادساً: أضاع عليهم الوحدة الإسلامية التي أوجدها الدين والقرآن والنبي بين الأنصار والمهاجرين.
سابعاً: أضاع عليهم تنزيه القرآن عن التهكُّم والازدراء بما كتب في سورة الجن, وصحف إبراهيم.
ثامناً: أضاع عليهم تنزيه النبي وأسرته عن موطن التهكم والاستخفاف.
تاسعاً: أضاع عليهم ما وجب من حرمة الصحابة والتابعين.
عاشراً: أضاع عليهم صدق القرآن والنبي فيما أخبر به عن ملة إبراهيم.
حادي عشر: أضاع عليهم براءة القرآن مما رماه به المستشرقون.
ثاني عشر: أضاع عليهم الأدب العام مع الله ورسوله وكرام خلقه.
    -وأشار (محمد حسنين الغمراوي, عبد الحميد حسن, أحمد أمين): في تقرير آخر عن الكتاب إلى ثلاث نقاط بها مساس بالدين الإسلامي:
1.               علاقة القراءات السبع بالوحي.
2.               رأي المستشرقين في مصادر القرآن.
3.               الصلة بين الإسلام وملة إبراهيم.
-               وقال الأستاذ محمد طاهر نور الذي أجرى التحقيق مع طه حسين:
[إن الخطأ عنده يبدأ بافتراض يتخيله, ثم ينتهي بأن يرتب عليه قواعد كأنها حقائق ثابتة, وذلك شأنه في مسألة إبراهيم وإسماعيل, وهجرتهما إلى مكة وبناء الكعبة. بدأ بقوله: (للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل, وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا,.... أمر هذه القصة إذن واضح, فهي حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام, واستغلها الإسلام لسبب ديني). فما هو الدليل الذي انتقل به من الشكِّ إلى اليقين, هل دليله هو قوله: (نحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة, وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى, وأن أقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو العصر الذي أخذ فيه اليهود يستوطنون فيه شمالي البلاد العربية). المؤلف يرى أن ظهور الإسلام قد اقتضى أن يثبت الصلة بين ديانة اليهود والنصارى, وأن القرابة المادية الحقيقية بين العرب واليهود اللازمة لإثبات الصلة بين الإسلام واليهودية واستغلها لهذا الغرض, فهل له أن يبين السبب في عدم اهتمامه أيضا بمثل هذه الحيلة لتوثيق الصلة بين الإسلام وبين النصرانية. إن الأستاذ ليعجز حقاً عن تقديم هذا البيان وكل ما استند عليه من الأدلة (فليس يبعد أن يكون -فما الذي يمنع- ونحن نعتقد - إذن فنستطيع أن نقول)  فالأستاذ المؤلف في بحثه إذا رأي إنكار شيء يقول:.. (لا دليل من الأدلة التي تتطلبها الطرق الحديثة للبحث), وإذا رأى تقرير أمر لا يدلِّل عليه بغير الأدلة التي أحصيناها له, وكفى بقوله حجة.
وفيما يلي نذكر طرفاً من محاضر الجلسات في مجلس النواب:
نقل الرافعي في كتابه بعضاً من محاضر هذه الجلسات، وذلك تحت عنوان:
- الجامعة في مجلس النواب:

- جلسة يوم الاثنين  13سبتمبر 1926م

- خطبة الأستاذ عبد الخالق عطية:
...حدث يا حضرات الأعضاء حادث بالجامعة المصرية, وقام من ناحيتها صوت أفقدها عطف الكثيرين, قد أدى إلى فتنة أو كاد, والأشد والأنكى أن البلاد لم ينلها حظٌّ ولم تنلها مصلحة ظاهرة أو خفية من إثارة ذلك الموضوع الذي تعرض له صاحب ذلك الصوت حتى كان يقول ولو من طريق التساهل: إن الحسنات تكافأت مع السيئات. وأظن أن حضراتكم بعد هذا البيان قد فطنتم إلى ما أريد وتبينتم أن الصوت المعنيَّ بقولي هذا هو كتاب (الشعر الجاهلي) ذلك الذي تضمَّن طعناً ذريعاً على الموسوية الكريمة, والعيسوية الرحيمة, وعلى الإسلام دين الدولة المصرية بنص الدستور.
يا حضرات النوَّاب, أرجو أن لا يتأول علينا متأوّل, أو يتقوّل علينا متقوّل, أو يمتنّ علينا ممتنٌّ بأنه أشدُّ منا غيرة على حرية العلم والتعليم, وأعظم منّا رغبة في تأييد حرية الرأي والتفكير...
أيها السادة: إن تصرف هذا الشخص كان أيضا مخالفاً للذوق, فإنه مدرس بالجامعة المصرية, وهي معهد أميري يعيش من أموال الحكومة الممثِّلة للأمة, فهو يتقاضى مرتبه من هذه الهيئة التي دينها الإسلام, فلم يكن من المفهوم, ولا من المعقول, ولا من حسن الذوق أن يقوم هذا الشخص فيبصق في وجه الحكومة التي يتقاضى مرتبه من أموالها؛ بالطعن على دين رعيتها من أقلية أو أكثرية. إننا إذ نسلم أولادنا للحكومة ليتعلموا في دورها نفعل ذلك معتمدين على أن بيننا وبينها تعاقداً ضمنياً على أن الديانات محترمة؛ لا أقول تعاقداً ضمنياً فقط, بل صريحاً, لأن الحكومة تُعنَى بتعليم الدين في مدارسها, وتضعه في مناهجها؛ وإذا كان الأمر كذلك فعلى الذين يريدون أن يحرقوا بخور الإلحاد أن يحرقوه في قلوبهم, لأنهم أحرار في عقائدهم, أو أن يحرقوه في منازلهم, لأنهم أحرار في بيئاتهم الخاصة, أما أن يطلقوه في أجواء دور العلم ومنابر الجامعة فهذا لا يمكن أن نفهمه بأي حال من الأحوال......... (تصفيق حاد).
   وأغرب ما في هذا التصرف إن صحَّ ما بلغني من أن إدارة الجامعة اشترت من مؤلف هذا الكتاب كتابه ! اشترته يا حضرات النواب من أموال الأمة الموتورة بهذا العمل ! فإن كان هذا الكتاب سيدرس في الجامعة فتلك ثالثة الأثافي, وليس لنا على هذا الأمر تعليق؛ أما إذا كان الغرض من شراء الكتاب اتقاء ضرر انتشاره فهذا أيضا تصرف غير معقول, لأن مال الأمة لا يجوز أن يدفع أجراً ومكافأة على إساءة للأمة, ولأن هذا التصرف في حدِّ ذاته من المكافأة, وهذه المكافأة قد حلَّت حيث كانت تجب الإساءة, وحيث كانت تجب المجازاة؛ هذا كله إن صح ما سمعته من أن إدارة الجامعة قد اشترت هذا الكتاب.
وزير المعارف([1]): أما فيما يختص بمسألة كتاب (في الشعر الجاهلي) فقد قلت لحضراتكم في الجلسة الماضية: إننا نطمع في أن تكون الجامعة معهداً طلقاً للبحث العلمي الصحيح, وليس معنى هذا أننا نرضى أن تكون كراسي الأساتذة منابر تُلقى فيها المطاعن في أي دين من الأديان قصدَ النيل من كرامته أو التهجم على حرمته, وإنما واجب الأساتذة أن يتحاشوا ذلك في كتاباتهم ومحاضراتهم, وحادثة كتاب (في الشعر الجاهلي) حصلت كما تعلمون في عهد الوزارة السابقة, فلما تولَّيتُ الوزارة أردتُّ أن أقف على حقيقة الأمر, فسألتُ سعادة مدير الجامعة عن الإجراءات التي اتخذها إزاء هذه الحادثة, فأجاب بأن الجامعة منعت انتشار الكتاب بشراء جميع النسخ من المكاتب, وحصرتها في مخازنها, كما اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع طبع نسخ أخرى منه, وقد أكد لي سعادته أن ما يؤاخذ عليه المؤلف لم يُلقِه على طلبته في الجامعة كما ظُنّ, وأن المؤلف صرَّح على صفحات الجرائد بأنه مسلم, ولم يقصد الطعن في دين من الأديان, أو المسَّ بكرامته... (ضجة)....هذا ما أكده لي مدير الجامعة, أما فيما يختص بالمبلغ الذي دفع ثمناً للكتاب فإني أصرِّح بأني لو كنت مسئولا لما رضيت بهذا التصرف , وإني موافق على استرداده إذا كان لا يوجد مانع قانوني يحول دون ذلك.
أما فيما يختص بالإجراءات الأخرى فلا يخفى على حضراتكم أن المؤلف مسافر إلى أوربا من شهر يونيو عقب تأليف الوزارة مباشرة, ولم يَعُد بعدُ, فلا يمكن أن أتخذ من الآن إجراءات في غيابه, وعلى كل حال فإني أَعِدُ ببحث المسألة...
الرئيس: ترفع الجلسة للاستراحة.... فرفعت الجلسة ثم أعيدت.
- خطبة الأستاذ القاياتي: سادتي النواب, كان بودّي أن تمرّ بنا ميزانية الجامعة فنتقبلها هاتفين مصفقين, لأنها ميزانية أمنية طالما تمنيناها, وغاية كثيراً ما رجوناها, لأننا نعتقد أن وجود جامعة مصرية إنما هو طريق إلى الفلاح المرجوّ, وإلى الحرية المطلوبة, وإلى الاستقلال الحقيقي المنشود. ولكن الله تعالى أراد -أو أن غير الله ممن يجرءون على ما لا يجوز لهم أن يجرءوا عليه أرادوا- أن تمر علينا هذه الميزانية ونحن نئنُّ من الألم, ونتضجَّر من الحزن, ونبكي من المصيبة التي كنا نرجو أن تكون نعمة كبرى.
أنا لا أريد أن أتكلم عن الجامعة باعتبار إدارتها, ولا باعتبار ما يدرس فيها. ولا باعتبار كفاية مدرسيها وموظفيها بعد أن أدلى به حضرات الأعضاء المحترمين من البيانات في هذا الشأن, ولكن الذي أريد الكلام فيه من غير إطالة هو موضوع كتاب (في الشعر الجاهلي) الذي ألَّفه الدكتور طه حسين, وهو ابن الجامعة البكر الذي كانت تنفق عليه من مال الأمة, وما كان يُظَن أبداً أن يقابل هذا الإحسان بالعقوق إلى درجة أن يضربها بضرب دين الإسلام دين الأغلبية.
ذكر حضرة النائب الأستاذ عبد الخالق عطية ملاحظات كثيرة عن هذا الكتاب, وعن وقعه على الأمة, وتأثيره في قارئيه وسامعيه, حتى لقد قال بحق: (إنه أثار فتنة أو كاد). والحق أن يقال: إنه ما كان من المظنون أن يوجد بين المسلمين في مصر من يجرؤ على الدين إلى هذا الحدِّ الذي بلغه الشيخ طه حسين. قبائح متعددة, ما بين تكذيب لصحيح التاريخ, وتكذيب لنصوص القرآن, ونسبة التحايل إلى الله, وإلى النبي محمد, وإلى موسى عليهما السلام.
وقبل أن أتعرض لسرد ما جاء في هذا الكتاب أو سرد شيء منه, أريد أن أظهر لكم شدة اندهاشي مما نقله معالي وزير المعارف عن حضرة مدير الجامعة, من أن هذا الكتاب لم يُلقَ على الطلبة, يعني أن الدكتور طه حسين لم يُلقِ على طلبته ما جاء في هذا الكتاب. اندهشنا من هذا القول, لأن المؤلف نفسه صرَّح في مقدِّمة كتابه أنه ألقاه على الطلبة, ولست أدري كيف يمكن أن يكون حقاً ما قيل من أنه لم يُلقِه على طلبته بعد أن يقرر هو بنفسه بأنه ألقاه عليهم.
أصوات: ماذا قال؟
الشيخ القاياتي: قال في مقدمة الكتاب: (هذا نحو من البحث في تاريخ الشعر العربي لم يألفه الناس عندنا من قبل, وأكاد أثق بأن فريقاً منهم سيلقونه ساخطين عليه, وبأن فريقاً آخر سَيَزْوَرُّون عنه ازوِراراً, ولكني على سخط أولئك وازوِرار هؤلاء, أريد أن أُذيع هذا البحث, أو بعبارة أصحّ, أريد أن أقيِّده, فقد أذعته قبل اليوم حين تحدَّثت به إلى طلابي في الجامعة وليس سرّاً ما تحدَّثت به إلى أكثر من مائتي شخص).
هذا قول المؤلف في مقدمة الكتاب, ولستُ أفهم كيف يقال بعد ذلك إنه لم يلق هذا الكتاب على طلبة الجامعة, وأن يترتب على ذلك ما رتبته الجامعة من منع أستاذ أن يردَّ عليه في الجامعة بعد أن سمحت له بذلك, بعلة أن الكتاب لم يُلق على الطلبة حتى يرد عليه في نفس الجامعة.
لقد جاء في هذا الكتاب تكذيب صريح للقرآن, ونسبة صريحة للنبي عليه الصلاة والسلام بأنه متحايل, وكذب صريح على التاريخ, لا يجوز أبداً أن نهمل ولا أن نترك صاحبه دون تدقيق معه في البحث, ويكون حسابنا معه عسيراً. إنني أعرف أنه من الكرم والمروءة أن يعفو الإنسان عمن أساء إليه, ولكن من الظلم والتهجم على المصلحة أن يعفو الإنسان عمن أساء إلى غيره, أو عمن طعن في وطنه أو دينه. (تصفيق).



[1] - كان رئيس الوزراء حينذاك عدلي يكن، ووزير المعارف علي الشمسي أفندي، ورئيس الجامعة أحمد لطفي السيد، وكان رئيس مجلس النواب سعد زغلول.  

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.