وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
رضوان محمود نموس (أبو فراس)
قال الله
تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال:
46]
سنة من سنن الله الكونية, وقاعدة من القواعد الكلية,
ومسلّمة من المسلّمات العقلية, وأمر أجمع عليه البشر مؤمنهم وكافرهم, ونزلت فيه
الآيات الكريمة, وحضت عليه الأحاديث الشريفة, ووعظ به العلماء والخطباء, ودعا إليه
الكتاب والشعراء, وحدّث عنه التاريخ, وألّفت في فوائد الوحدة وضرر التنازع الكتب والمقالات,
والقصص والروايات, والغالب مقتنع بذلك نظريًا ويجافيه عمليًا.
والكل يعلم أن أسس الوحدة المتينة, التي لا ينازع نظريًا
فيها أحد من المسلمين؛ أن تكون هذه الوحدة على أسس ومقتضيات منهج الله المبين, المنزل
هدىً للعالمين, في الوحيين؛ القرآن والسنة.
وهذا الداء الذي ابتليَ به المسلمون؛ داء التفرق
والخلاف, عمَّ الأقطار والأمصار, وعظم شره واستطار, ولحق الأمة منه العار والشنار,
ولم تكن مسيرة الجهاد في منأىً عنه, فساحات الجهاد تغص بجماعات كثيرة مختلفة، تقول:
إن دعواها واحدة, وإستراتيجيتها واحدة, ووسائلها واحدة, وأهدافها واحدة, وهي إقامة
دولة الإسلام وإعلاء كلمة الله, وتطبيق شرعه على الأرض.
ولكنها مع كل هذه الدعاوى متنافرة فيما بينها، تتراشق القذائف
والقنابل, وكل منهم ينظر للآخر كعدو صائل, بل يكفرون بعضهم البعض, وربما استعانوا
بالكافرين والمرتدين, لقتال المسلمين, وأصبحت قراراتهم ردود أفعال, ودخل بينهم أبو
رغال, وابن أبي رغال, والزنادقة الكبار والصغار,
وأئمة المرتدين والكفار, يمكرون مكر الليل والنهار, هذا بالإفساد, وذاك بالإمداد
بالسلاح والعتاد, ووصل الأمر ببعضهم أن غدا يقاد من خارج الحدود, وما وصل مثل هذا
الحال بقوم إلا ذلّوا وذهب بأسهم, وانتهبهم الأعداء الذين استخدموهم في قتال بعضهم
البعض.
جميعنا يعلم أنه من الممكن أن يختلف الأخوة فيما بينهم,
ولكن يجب أن تبقى مساحة واسعة عريضة للصلح.
يمكن أن نختلف, ولكن الغلو والحكم على كل المخالفين
بالردة مرفوض ومنكر مستنكر؛ ولن يؤدي إلا إلى ردة فعل أسوأ من الفعل نفسه. وحكم
تكفير المسلمين لا يجهله أحد.
يمكن أن نختلف, ولكن أن يصبح البعض أداةً بأيدي أنظمة
الردة ومن ورائهم دول الكفر؛ لقتل بعضنا بعضًا مرفوض, ومنكر مستنكر، ولا يخفى حكمه
على أحد.
يمكن أن نختلف, ولكن أن يعقد البعض أحلافًا مع أهل
الردة والزندقة والكفار لقتال المسلمين المختلف معهم مرفوض, ومنكر مستنكر وحكمه
معلوم للعوام.
إنه عندما يحصل خلاف بين فئات من المسلمين, وإن كان
فيها بدع وغلو, أو تميع أو أي انحراف؛ طالما بقي يصدق عليهم اسم الإسلام, يجب أن
يحكم الخلاف بشرع الله, وخُلق الإسلام, ولا يعني بأية حال محاولة أي طرف إنهاء
الطرف الآخر, ونبذه خارج دائرة الجهاد والعمل الإسلامي بل ربما نبذوه خارج الإسلام
بزعمهم, وخارج التاريخ والجغرافيا.
لا ينبغي للخلاف بأي حال أن يعمينا عن إيجابيات المجاهدين
الآخرين, وأعمالهم الصالحة, والواجب تعلم طرق مد الجسور مع الطرف الآخر والتعامل
معه بإنصاف.
ومما يتعجب منه المرء؛ كيف استطاع البعض أن يتحالف مع
المرتدين والكفرة، ويصبر على ردتهم وكفرهم ولم يستطع الصبر على أخيه المختلف معه
في أمر دون الردة بكثير؟؟!!.
ولا بد هنا من تذكير علماء وعقلاء أهل السنة, أن عليهم
واجبًا كبيرًا في بذل كافة الجهود لاستنقاذ من عبث به الشيطان وزحرفه نحو أخطبوط
التكفير والخارجية, أو سرطان التفلت وتمييع الدين, والتحالف مع الكفرة والمرتدين,
وتنمية وتكبير تجمع أهل السنة والجماعة؛ ليسيروا في طريق واحد مهما كان عريضًا.
قد يقول البعض أنت تحرث في ماء أو هواء, وتريد الوقوف
في وجه القدر, فالفرقة أمر قدري واقع لا يستطيع أحد رده. وربما يستشهدون بالأحاديث
في ذلك مثل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتِ
الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ
وَسَبْعِينَ فِرْقَةً»([1])
.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي
مَا أَتَى عَلَى بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ
مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ
ذَلِكَ، وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً،
وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ
إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
«مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»([2]).
وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَأَلْتُ رَبِّي
ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ: أَنْ لَا
يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسِّنِينَ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُهُ: أَنْ لَا يُسَلِّطَ
عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِي، وَسَأَلْتُهُ: أَنْ لَا
يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا، وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِي «هَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ»([3]).
وهنا أمر مهم وفي غاية الخطورة؛
ولابد أن يعيه كل مسلم؛ وهو التفريق بين الأمر القدري والأمر الشرعي, ولا يكون الأمر
القدري حجة بأي حال إلا عند القدرية الضالين, فمن الأمور القدرية ما أخبر به رسول
الله صلى الله عليه وسلم: عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ
وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ([4]).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ
قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ
ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى
قَالَ: «فَمَنْ»([5]).
فهل يفهم أحد من هذا؛ أن يقر السكوت عن مستحلي الزنا
والخمور والمعازف والتشبه بالكفار؟؟!! معاذ الله أن يفهم هذا عوام المسلمين
وجهلتهم, بل الكل يعلم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فكون الخلاف أمر
قدري لا يعني الاستسلام له وعدم العمل للوحدة والائتلاف, والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر, ودعوة الجميع ليكونوا صفًا واحدًا على منهج أهل السنة والجماعة؛
المتمثل بالوحيين, وفهم القرون المفضلة لهذا المنهج والسير وفقه.
قال الإمام ابن تيمية عن أمثال هذه الأحاديث: [وهذا
كله خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذمّ لمن يفعله، كما كان يخبر عمّا يفعله
الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات, فعلم أن مشابهتها اليهود
والنصارى، وفارس والروم، مما ذمه الله ورسوله، وهو المطلوب ولا يقال: فإذا كان
الكتاب والسنة قد دلا على وقوع ذلك، فما فائدة النهي عنه؟ لأن الكتاب والسنة أيضا
قد دلا على أنه لا يزال في هذه الأمة طائفة متمسكة بالحق الذي بعث به محمد صلى
الله عليه وسلم إلى قيام الساعة وأنها لا تجتمع على ضلالة ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه
الطائفة المنصورة، وتثبيتها، وزيادة إيمانها، فنسأل الله المجيب أن يجعلنا منها.
وأيضا: لو فرض أن الناس لا يترك أحد منهم هذه المشابهة
المنكرة؛ لكان في العلم بها معرفة القبيح، والإيمان بذلك؛ فإن نفس العلم والإيمان
بما كرهه الله خير، وإن لم يعمل به، بل فائدة العلم والإيمان أعظم من فائدة مجرد
العمل الذي لم يقترن به علم، فإن الإنسان إذا عرف المعروف وأنكر المنكر كان خيرا
من أن يكون ميت القلب لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، ألا ترى أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم
يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم. وفي لفظ: «ليس وراء ذلك من الإيمان
حبة خردل»]([6]).
نعم ربما لن نستطيع جمع الجميع, وسيبقى أناس من أهل
الأهواء, أو أحفاد عبد الله بن أبي؛ الذي رفض فض حلفه مع يهود خشية الدوائر,
فسيبقى أناس مرتبطون مع أمريكا وفرنسا ودول الكفر وأنظمة الردة؛ خشية الدوائر,
لأنهم أخرجوا الله جل جلاله من معادلة الصراع مع الكفر, ولم يستطيعوا فهم
المعادلة, ولم يؤمنوا إلا بالمادي المحسوس, مثلهم كمن قال تعالى فيهم {فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ
تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ
عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ
إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 51 -
57] فسيستمر هؤلاء بالخروج عن الإلفة والاجتماع, وفي مثل هذه الحالة فلا أقل من
جمع أهل السنة والجماعة, وزيادة كتلتهم, وإعلاء رايتهم, وتكثير سوادهم, مع
الاستمرار بدعوة أولئك إلى الالتحاق بقافلة الحق, واستنقاذهم من الهاوية متمثلين
قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا
يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي
اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ
إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا
لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71] فسنستمر بدعوتهم ونقول
لهم: تعالوا إلى هدى الله, لنسير جميعا بقافلة الإيمان, ونكون ممن وصفهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما رواه
ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى
الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ
كَذَلِكَ»([7]).
وإذا لم يكن الكل يعلم, فالغالب يعلم النهي عن التفرق,
والحض على الوحدة والائتلاف, وحرمة الاقتتال بين المسلمين, وحرمة تكفير المسلمين,
وحرمة تفريق كلمة المسلمين, وأن الله يعلم السر وأخفى, ويعلم خائنة الأعين وما
تخفي الصدور, وأننا كلنا سائرون إلى الله, وأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله
والبغض في الله, واستحضار هذا البعد الإيماني, وجعله ماثلًا بين أعيننا عند أي
تصرف, هو من الضمانات للسير على طريق أهل السنة والجماعة, والاجتماع عليه, ولا
ينبغي أن نعلم ولا نعمل, وأن نمتلك الوسائل الموصلة للأهداف ونعلم الطرق الموصلة ولا
نسير عليها, فتضيع الأهداف ويهال الركام على معرفة الوسائل والطرق, فاقتضاء العلم
العمل, والعلم القطعي اليقني الثابت يقول لنا : اجتمعوا ولا تتفرقوا, قال الله
تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا
حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ
تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا
مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 2 - 4]
وقال الله تعالى:
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ
بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 104 - 106]
وحينما يريد المجاهدون الصمود
أمام جحافل الكفر, وأن يتنزل عليهم النصر, يجب اتخاذ الأسباب, وأهم سبب قبل السلاح
والرجال والذخائر والعتاد, هو وحدة الكلمة على منهج أهل السنة والجماعة, والالتزام
بأمر الله, والإيمان القطعي اليقيني الثابت الجازم أن النصر من الله, وإذا لم نفعل
فالنتيجة واضحة بينة يراها الأعمى والبصير قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ
لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي
بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ
شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 46 - 48]
إن الأمل بالله كبير أن يلهم قلوب وعقول قادة الفصائل
المنتمين لأهل السنة والجماعة, أن يتحدوا ويجتمعوا تحت راية أهل السنة كما بينها
القرآن والسنة, وعمل بها أهل القرون المفضلة, ويكونوا جماعة واحدة, وقيادة واحدة, ولهم
وهدف واحد, وهو تطبيق حكم الله في الأرض, وإعادة راية الخلافة على منهاج النبوة
عالية خفاقة.
فإذا غلبت الأهواء على البعض, وغلب حب الرياسة
والإمارة وحظوظ الدنيا, فلا أقل من إنشاء غرفة عمليات واحدة, وغرفة تنسيق مواقف
سياسية واحدة, تسودها شريعة الله دون مخالفات واستعانات بالكفار وتلقي توجيهات من
المرتدين والكافرين, ونصائح من المشركين.
وفي هذا المقام أدعو وبإلحاح العلماء المجاهدين
والسائرين على منهج أهل السنة والجماعة, في أي بقعة من الأرض كانوا أن يتداعوا إلى
الشام ويقوموا بجهود حثيثة للم الشمل ووحدة الصف لعل الله يبارك في جهودهم وتثمر
وحدة يعز بها أهل الإيمان ويذل بها أهل الكفر والطغيان.
فالأمر
خطير, والخطب كبير, وهذه أيام لها ما بعدها, فلا يتأخر عالم, ولا يتكاسل قادر,
فكلنا مسؤولون عن ذلك, ولنعمل ليوم {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ
بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2].
0 التعليقات:
إرسال تعليق