هل
ينسجم مع الدين اتفاق متآمري الرياض على الدولة المدنية
رضوان
محمود نموس (أبو فراس)
عندما
حصل انقلاب البعث المشؤوم في 8/3/1963 كنت في الصف الأول إعدادي, وبدأت حملة
لتنسيب الناس إلى الحزب, عُيّن رجل أقرب إلى الأمية ليكون مسؤولًا للفرقة الحزبية,
وكانت علامة التقدمية آنذاك استخدام ألفاظ الضياع, مثل الاشتراكية, الثورية,
الديموغوجية, البراغماتية, البرجوازية, الإرستقراطية, الثيوقراطية, الأوتوقراطية, التكنواقراطية, الديكتاتورية, السلوخوز,
الكلخوز...الخ, ولا يمل مسؤول الفرقة من تكرار
هذه الألفاظ على مسامع الطلبة, مع أنه يجهل معناها؛ ولكن للتدليل على تقدميته فقط,
سأله طالب مشاغب: سمعنا عن السيتوبلازم([1]) فما هي يا
رفيق: فأجاب الرفيق: هي حركة تحررية في أمريكا اللاتينية؛ تناهض الديكتاتورية
والبريوقراطية والارستقراطية والميتافيزيقية والتعصب الديني.
وفي
المؤتمرات التي يَجمع لها الكفار من يُطلق عليهم (جماعة الإسلام المعتدل) لابد من
المناداة بالديمقراطية, والدولة المدنية, ورابطة المواطنة, وحقوق الأقليات, وقبول
الآخر, وحقوق الإنسان, وتمكين المرأة,...الخ ولم يكن مؤتمر الرياض للمعارضة
السورية المعتدلة بمعزل عن هذه المؤتمرات, ومما نادى به المؤتمر: الدولة المدنية,
وحالُ قسم عريض ممن يطلق عليهم (مسلمون معتدلون) أو (سماعون) كحال الرفيق أمين
فرقة الحزب.
ولدى الكفار قدرات لا يستهان بها في مجال التضليل والتزوير؛
تستند إلى خبرات تاريخية طويلة, ومن ذراري المسلمين شريحة غير قليلة من السماعين؛
الذين يروج عليهم الكذب {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ}
[المائدة: 41] ثم يقومون بترويج هذا الكذب واللغط بين المسلمين, وهم على قسمين قسم
عن سذاجة وغفلة, والآخر عن ضلال وعمالة. والقسم الثاني مهمته الرقص على ألحان
الكفر, ونقل مفاهيمه وقِيَمِه ونشرها بين المسلمين, ومن هذه الضلالات ما يطلق عليه
(الدولة المدنية), وتم استدعاء هذا المصطلح الكفري ضمن منظومة مصطلحات كلها تصب في
خندق التضليل والكفر؛ ويراد لها الرواج بعد فضح أسطوانة (الديمقراطية)
و(العلمانية), وبيان كفر من يدعو إليهما, لتشكل بدائلًا في اللفظ؛ مع حملها لنفس
جرثومة الكفر وربما بشكل أكبر وأشرس, وتعمل مؤتمرات الكفر وما يسمى الإسلام
المعتدل؛ لترويج هذه المصطلحات كنتاج لجهود محلية مطلية بطلاء إسلامي مزور,
لتعميمها بين أتباعهم كخطوة تمهيدية أولى, ثم لنشرها بين المسلمين, ومتآمري مؤتمر
الرياض وما يشبهه، والذي يتكون عادة من خليط يضم عملاء مخضرمين, وجموع قاصرة التفكير
(سماعون), ذاهلة عن خطر هذه المصطلحات؛ التي تضم ضمن مكونها الهلامي, كل معاني
الكفر والمحادَّة لدين الله تعالى, وأهل الاعتدال على الطريقة الأمريكية, مصرون
على استيرادها كمكوِّن حضاري خياني أساس,
ليحل محل العقائد الدينية التي كان يعتقدها المسلمون من أجدادهم, لأنها بتصورهم
عقائد تحمل في طياتها الرجعية، والغيبية، والتخلف، والجمود، والتحجر، والتقوقع، والظلامية،
والسلبية، والتعصب، وكراهية الآخر, واحتكار الحقيقة, وعدم الواقعية,.... إلخ.
وأضيف مجددًا الدعشنة, والإرهابية.
وهؤلاء لا يخرجون عن كونهم غوغاء من المشكِّكين
في الإسلام ذاته, وقدرته على النهوض بمعتنقيه إلى سدة القيادة، وبناء نهضةٍ حضارية
نوعية، تعيد الإنسان إلى المكان اللائق؛ الذي خلقه الله من أجله, وبينما الواجب رفع
سقف الطُّموح الإسلاميِّ إلى درجةٍ تتفق وتليق بمكانة الإسلام الدين الإلهي
الخاتم, وتاريخه الناصع في نشر الهداية والحق, انطلاقًا من وعيٍ ثاقب ورؤية واضحة
وأخذ بالسنن الإلهية؛ وتصديق لوعد الله تعالى, نرى أصحاب هذا التهريجِ الدِّعائي منشغلون
في إفساد الفكر، والنِفاق السياسي، والعقدي والانهيار الأخلاقي والرجولي التكويني,
مما يُثبت التحاقهم بالطابور الخامس؛ الذي يروج لهذا المكاء والتصدية, ويُنفِّذ
أجنداتٍ صِيغت مراسمُها في الغُرف السوداء.
مفهوم
الدولة المدنية وأسباب ظهوره:
مرت أوربا بمرحلة تسلط الكنيسة الكافرة المشركة الجاهلة,
على الشعوب الأوربية, حتى وصل الأمر إلى بيع أرض الجنة, وبيع المغفرة, (صكوك
الغفران) وتحويل الشعوب إلى قطعان من العبيد عند البابوات والبطاركة والقسس, وهذا
أمر معروف منتشر؛ ومن شاء التأكد فليراجع أي مصدر تاريخي لهذه المرحلة, ومنها قصة
الحضارة (لويل ديورانت), هذا التعسف الكفري, والاستبداد الكفري, من سماسرة دين عبث
بطاركته به وزوّروه وبدّلوه, وكانوا أجهل الناس بالله ومهمة الدين؛ هذا الدين
المتناقض الذي قال الله تعالى عن أتباعه {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا
(88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ
مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا
لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا
(92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ
عَبْدًا } [مريم: 88 - 93]
{لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}
[المائدة: 17] {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}
[المائدة: 73]
دفع الناس إلى الكفر بهذا
الدين, ومن يمثله, وكافة رموزه, وبالكنيسة وكل ما يتعلق بها, وغدت الكنيسة عنوانًا
عريضًا للتخلف والفساد السياسي والأخلاقي
والاقتصادي والاجتماعي, وتم استبعاد كل ما يمت إلى الدين بصلة, فتدافع الناس إلى
الإلحاد {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}
[المدثر: 50، 51] وبرزت فكرة الدولة المدنية, التي تتصادم وتكره وتعادي كل ما هو
دين, فكانت الدولة المدنية تعبيرًا عن غضبٍ واستنكارٍ لما عليه الدين المزور
المبدل, وسدنة هذا الدين من البابوات والبطاركة والقسس.
فمن
هيغل إلى دريدا, بقيت فكرة اللادينية وفصل الدين عن الدولة هي الحل البديل للتحرر
من تناقضات وأهوال حكم كهنوتي جاهل كافر, تشيب له نواصي الولدان، وهذه الحالة تخص
أوربا وبلاد البابوات وفي عصر محدد.
قامت
الدولة المدنية على أساس استبعاد الدين؛ من المنظومة السياسية للدولة والحياة
العامة, في التشريع والقضاء وترتيب الحقوق والواجبات واعتبار القيم ومعايير الحق,
والمفروض والممنوع وما إلى ذلك, وإذ لم يبق في المنظومة الفكرية لدى هؤلاء (إله
مقدس) قاموا بتقديس أهواء أنفسهم وأحلوا الإنسان وهواه مكان القداسة الإلهية, ونفي
الرابطة الدينية والقيم الدينية, وباختصار: [إحلال الهوى البشري مكان التشريع
الإلهي]. قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [القصص:
50] وبرزت ألوهية الهوى، قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ
هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ
وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا
تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] ولقد شبه الله تعالى أتباع ديانة الهوى بالكلاب فقال
تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ
كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]
ولكل
دين وضعي قساوسة وبطاركة, فكان بطاركة دين الهوى هم (الفلاسفة), وبدأ أئمة الكفر
الذين يطلق عليهم فلاسفة ومفكرون بالتقنين والتأصيل لهذا الخروج على الدين, وشرعنة
الهوى وتقديس الإنسان.
ظهرت
فكرة هوبز ولوك وروسو عن العقد الاجتماعي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ فهيّأت
المناخ العام في أوروبا لمناهضة الدين, وأفسحت المجال لمفهوم الدولة المدنية، وذلك
بما رسَّخته في الأذهان من مبادئ ومفاهيم ساهمت في بناء الأساس الفكري لظاهرة الدولة المدنية، وذلك من قبيل: الأصل الإداري
للسلطة، وخلع القداسة عن الغيب، واستبعاد الدين من العلاقة السياسية والاجتماعية
والاقتصادية, وكما يزعمون قاتلهم الله: نفي الله بل قتله، كما أعلن فيلسوفهم
فولتير حيث قال: [ (إن الواجب اللازم علينا أن نسحق القبيح الفظيع، وهذا القبيح
الشنيع ليس هو فئة الإكليريكيين، وإنما هو الله). – تعالى الله عما يقول الكافرون
علوا كبيرا – وهذه الكلمة هول مهول بل لفظة استنبطها من قعر الجحيم أبو الكفر
والزندقة فولتير الماسوني، فانتصب بذلته لمنابذة القتال لرب السماء، فأراد أن
يسحقه وما سحق غير نفسه ]([2]).
فنشأة الدولة المدنية إبان الثورة الفرنسية؛ هي وليدة سلسلة
طويلة ومترابطة من التطوّرات والنظريات الفكرية؛ التي تفاعلت مع ظروف القارة
الأوروبية وأوضاعها، وهى بذلك ليست سوى تعبير عن واقع سياسي واجتماعي واقتصادي
بعينه، هو الواقع الأوروبي، أو هي مرحلة في المعاناة الأوربية من الشرك النصراني
وعبادة الطواغيت, الذي وصفه الله تعالى فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ
ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ
يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا
وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 30،
31]
ولكنهم
انتقلوا من شرك إلى شرك, ومن عبادة طاغوت إلى عبادة طاغوت. { كَالَّذِي
اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ} وهذه سمة من لا يهتدي بهدى
الله، يخرج من ظلمة ليدخل في ظلمة أشد,{كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ
بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
[الأنعام: 122]
ولقد
مرّ التململ والخروج على طاغوت الدين النصراني المحرف وطاغوتية سدنته بمراحل نقف
عند محطات منها:
أ-
ميكيافيلِّي (1496- 1527م): تتمثلُ مفهوم الدولة المدنية عند ميكيافيلي في
كتابه "الأمير" بإرسائه لمعنيين:
الأول: نزعُ المطلق الديني والقيميِّ عن تصرفات السياسي.
الأول: نزعُ المطلق الديني والقيميِّ عن تصرفات السياسي.
الثاني:
توضيحُ آليةِ اختيارِ الأميرِ عبرَ الإرادةِ الشعبيةِ، أو باختيارِ طبقةِ
النبلاءِ، وتسميةُ ذلك بالإمارةِ المدنيَّةِ.
ب- جان بودان (1530- 1596م): لا يجعل جان بودان في كتابه "ستة كتبٍ عن الجمهورية" للأمير وسلطاتِهِ أي قيدٍ ديني أو قيمي في إصدارِ القوانين، واعتبر أن تدخل الدين والقيم في ذلك يخل بسيادة الدولة المدنية.
ج- توماس هوبز (1588ـ 1679م): أصدَرَ هوبز كتابه (اللوباثان)؛ فأبانَ أن معالِـم الدولة المدنيَّة التي يدعُو لها هيَ أن يصبح قانونُ الدولةِ القانونَ المطلق فالدولةُ عنده «المرجعيَّةُ النهائيَّةُ» وصاحبة السيادة وأي تدخل للدين يخلّ بالسيادة. ومن هنا ألَّهَ هوبز الدولةَ، واعتبرَهَا إلهًا. ولم يرى هوبز مانعًا من استغلال الدين لتقرير سيادة الدولة.
ب- جان بودان (1530- 1596م): لا يجعل جان بودان في كتابه "ستة كتبٍ عن الجمهورية" للأمير وسلطاتِهِ أي قيدٍ ديني أو قيمي في إصدارِ القوانين، واعتبر أن تدخل الدين والقيم في ذلك يخل بسيادة الدولة المدنية.
ج- توماس هوبز (1588ـ 1679م): أصدَرَ هوبز كتابه (اللوباثان)؛ فأبانَ أن معالِـم الدولة المدنيَّة التي يدعُو لها هيَ أن يصبح قانونُ الدولةِ القانونَ المطلق فالدولةُ عنده «المرجعيَّةُ النهائيَّةُ» وصاحبة السيادة وأي تدخل للدين يخلّ بالسيادة. ومن هنا ألَّهَ هوبز الدولةَ، واعتبرَهَا إلهًا. ولم يرى هوبز مانعًا من استغلال الدين لتقرير سيادة الدولة.
د-
اسبينوزا (1632- 1677م): لـم يخرجِ اسبينوزا كثيرًا عن الخطوطِ التي رسمهَا
أسلافُهُ مِنْ تقريرِ الأغلبيَّةِ كوسيلةٍ لوصولِ الحاكمِ في الدولةِ المدنيَّةِ،
حتَّى إنه يتطرف ويأبي حتى إشرافَ أهل الدين على شؤون الدين إذ يقول: فَلَا شكَّ
أنَّ تنظيمَ شؤونِ الدينِ يقعُ على عاتقِ السُّلطةِ الحاكمةِ وحدَهَاـ.
هـ- جون لوك (1632-1704م): إنَّ جون من آخر الفلاسفة المنظِّرينَ للدولةِ المدنيةِ، ومفهومه لَهُ هو أكثرُ المفاهيمِ شُيوعًا عندَ المتكلمينَ في هذِهِ القضيَّةِ، والصورةُ المتكاملةُ للدولةِ المدنيَّةِ المشهورة من (العقد القائم بين الأفراد والحكومات بالأغلبية والحفاظِ على مبدأِ فصلِ السلطاتِ وحق الشعوب في الثورات) والمفاصلةِ والقطيعة مع الدينِ ونزع المطلقَ عن الدين والدولةِ. وبعدَ أنْ يشرحَ مهامَ الحاكِمِ المدنيِّ المنحصرةِ في إدارةِ شؤونِ الدولةِ, يؤكد أنَّ سلطةَ الحاكمِ لا تمتدُّ إلى تأسيسِ أيَّةِ بنودٍ تتعلقُ بالإيمانِ والدين.
هـ- جون لوك (1632-1704م): إنَّ جون من آخر الفلاسفة المنظِّرينَ للدولةِ المدنيةِ، ومفهومه لَهُ هو أكثرُ المفاهيمِ شُيوعًا عندَ المتكلمينَ في هذِهِ القضيَّةِ، والصورةُ المتكاملةُ للدولةِ المدنيَّةِ المشهورة من (العقد القائم بين الأفراد والحكومات بالأغلبية والحفاظِ على مبدأِ فصلِ السلطاتِ وحق الشعوب في الثورات) والمفاصلةِ والقطيعة مع الدينِ ونزع المطلقَ عن الدين والدولةِ. وبعدَ أنْ يشرحَ مهامَ الحاكِمِ المدنيِّ المنحصرةِ في إدارةِ شؤونِ الدولةِ, يؤكد أنَّ سلطةَ الحاكمِ لا تمتدُّ إلى تأسيسِ أيَّةِ بنودٍ تتعلقُ بالإيمانِ والدين.
لقد اعتبر ببغاوت الشرق من الذين كفروا عن سابق إصرار
وتصميم, وحقد على الإسلام, أن النور جاء إلى العالم مع الثورة الفرنسية وفلاسفتها؛
أصحاب فكرة الدولة المدنية. قال حسن حنفي
في حوار
المشرق والمغرب, نشرته مجلة اليوم السابع وطبع في كتيب مستقل حيث قال: [تحية
للثورة الفرنسية مشاركة منا في الاحتفال بذكراها المئوية الثانية، وبمناسبة عقد
الندوة الدولية في القاهرة هذا الشهر عن"الثورة الفرنسية والعالم العربي... إن
صورتنا في كتابات فلاسفة التنوير، فلاسفة" دائرة المعارف أو القاموس العقلاني
للعلوم والفنون والصناعات"ديدرو، دالمبير، فولتير، روسو، هولباخ، هلفسيوس،
صورة مستمدة من العصر التركي وكما عبر عن ذلك فولتير في روايته"صادق"
الجبرية والتسليم الأعمى بالقضاء والقدر، وعند بعض المستشرقين مثل فولني، الجهل،
والتعصب، والخرافة، والتخلف، إلا أن صورة فلاسفة التنوير الذين مهدوا للثورة
الفرنسية عندنا، عند روَّاد النهضة العربية وفي أجيالها المتعاقبة وبتياراتها المختلفة الإصلاحي، والليبرالي، والعلمي
صورة مثالية: الحرية، والعقل، والعدالة الاجتماعية، والعلم، والديمقراطية،
والدستور، والبرلمان]
أقوال
في الدولة المدنية:
-
جاء في موسوعة ويكيبيديا: [الدولة المدنية هي
دولة تحافظ
وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية
أو الدينية أو الفكرية هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة
المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على قبول الآخر والمساواة في
الحقوق والواجبات.
ومن
مبادئ الدولة المدنية مبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد
لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا
قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن.
من
أهم مبادئها أن تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على قبول الآخر
والمساواة في الحقوق والواجبات،
ومن
أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة.
حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام
الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة
المدنية، كذلك مبدأ الديمقراطية]
-
قال إدريس جنداري في مقال له في مركز الدراسات والأبحاث العلمانية بتاريخ
30/12/2008
[إن
ما نريد أن نؤكده من خلال هذا المدخل؛ هو وحدة الفكر الإنساني؛ التي تفرض نفسها
على كل الأمم؛ والأمة التي تريد الخروج من هذه الوحدة تجد نفسها خارج التاريخ,...
ويقول: ظهرت بوادر مرحلة تاريخية جديدة؛ قوامها المفهوم الجديد للإنسان و العقل و
الدولة و الدين.... هل يمكن للفكر العربي الإسلامي أن يشكل استثناء كونيا؛ حينما
يدعو إلى مفهوم الدولة الدينية؛ خلال مرحلة تاريخية تسود فيها الدولة المدنية؛
التي تقوم على المواطنة الموحدة مع اختلاف الانتماءات الدينية و العرقية للمواطنين؟
لا يمكن أن نتحدث عن مفهومي العلمانية و الدولة المدنية
خارج التطورات الفكرية و السياسية و الدينية؛ التي عرفها الفكر الإنساني الحديث
منذ القرن الخامس عشر؛ بداية بالإصلاح الديني عبر التخلص من سلطة النص الديني في
الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ وذلك
عبر العودة به إلى وظيفته الحقيقية وهي وظيفة روحية].
- وقال عزمي عبد الله عمران: الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية
على مدونته في 24 مارس 2011
[الدولة مدنية فقط -
تسمح للجميع بممارسة الشعائر وبالحياة مع بعضهم البعض ويحكمهم
قانون الدولة (الوضعي) الغير مستمد من أي
ديانة ومن أهم مساوئها أنها تسمح بكل شيء وليس هناك شيء محظور فكما تسمح لليهود
والمسلمين والمسيحيين بشعائرهم فإنها أيضا تسمح لعباد البقر والشجر والذين لا
يؤمنون بأي معتقد سماوي بممارسة شعائرهم وأيضا تعطى حرية للشواذ وغيرها]
-
وقال مصطفى كامل السيد في مقال عن الدولة المدنية في مشروع الدستور المصري نشر في
الشروق الاثنين
10 ديسمبر 2012
[ولنقر صراحة بأن الدولة المدنية هي دولة تفصل بين الدين والدولة...
الدولة المدنية تحترم عقائد كل من يعيش على أرضها، وتحتفل بأصحاب العقائد المختلفة].
-
وقال الدكتور أنور مغيث: الدولة المدنية والدولة العلمانية.. هل هناك فرق؟ الجمعة،
22 أبريل 2011 في اليوم السابع
الدولة
العلمانية والدولة المدنية هما شيء واحد، يقوم كما قلنا على أساسين: القانون الوضعي
وعدم التمييز بين المواطنين. وهى بذلك تكون الدولة التي تستجيب لشروط العصر
وتستطيع الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية في الحقوق].
-
وكتب جابر عصفور في الأهرام قضايا وراء ثقافة الدولة المدنية 21/10/2012
ينسي
المتحزبون لحزب الحرية والعدالة أن حزبهم قائم علي إيجاد دولة مدنية مرجعيتها
للشريعة الإسلامية, فينكرون الدولة المدنية ضمنا وصراحة, ويأخذون في تأكيد وهم
الخلافة الذي هو نقض لجوهر الدولة المدنية. ولذلك توقف الحزب التركي الحاكم, وهو
حزب إسلامي عن استخدام هذا الوهم الذي لا معني له في هذا الزمن المعقد والمعولم ].
-
وكتب علاء الأسواني هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة؟! الثلاثاء 14-06-2011 المصري اليوم
[الدولة المدنية الديمقراطية: هي الدولة التي تكون فيها السيادة
للشعب والسلطة للأمة. دولة القانون والمؤسسات التي يستوي فيها المواطنون جميعا
أمام القانون بغض النظر عن أديانهم].
- ويعقد أدونيس فصلًا كاملًا في كتابه الثابت
والمتحول - المجلد الثاني من الصفحة 71 إلى 87 - بعنوان المنهج التجريبي وإبطال
النبوة ويستشهد فيه بكلام ابن الراوندي ومحمد بن زكريا الرازي.
ثم يقرر في مكان آخر وجوب قتل الله فيقول تأسيًا
بفولتير ويشرح معنى السيادة لأن هؤلاء المتمدينون المتعلمنون يعيشون على الصرف
الصحي لبالوعات الكفرة يقول: " [فكل خروج على شريعة الله خروج على الله، هذا
الخروج يجعل الإنسان مساويًا لله وشبيهًا به فلا يعود يخضع للشريعة لأنه يصبح هو
نفسه مصدر الشريعة فتنعدم الممنوعات وتسود الحرية والمشيئة، فالإنسان حين يخرق
المحرم يتساوى بالله لأنه يقيم بينه وبين ما يخرقه علاقة التبعية حيث يصبح المخروق
تابعًا والخارق متبوعًا... غير أن التساوي بالله يقود إلى نفيه أو قتله فهذا
التساوي يتضمن رفض العالم كما هو أو كما نظمه الله والرفض هنا يقف عند حدود هدمه
ولا يتجاوزها إلى إعادة بنائه ومن هنا كان بناء عالم جديد يقتضي قتل الله نفسه
مبدأ العالم القديم، بتعبير آخر لا يمكن الارتفاع إلى مستوى الله إلا بأن نهدم صورة العالم الراهن وقتل الله نفسه مبدأ هذه الصورة،
هو الذي يسمح لنا بخلق عالم آخر. ذلك أن الإنسان لا يقدر أن يخلق إلا إذا كانت له
سلطته الكاملة، ولا تكون له هذه السلطة إلا إذا قتل الكائن الذي سلبه إياها، أعني
الله، وبهذا المعنى نفهم كلمة ساد]([3]).
-
ويقول محمد
عابد الجابري: الدولة المدنية: [ هذا مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة،
ويقصد به الدولة التي تستقل بشؤونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة؛ فالدولة المدنية هي التي
تضع قوانينها حسب المصالح والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا تخضع لتدخلات
الكنيسة ]([4])..
- ويقول إدريس أبو
الحسن: [فمن الناحية التاريخية إذا رجعنا إلى أصل اصطلاحها الغربي، نجد أن للدولة
المدنية مفهومًا فلسفيًا سياسيًا، مناقضًا للدولة الدينية ... ويتمثل مفهومها عمليًا بتنحية الدين عن السياسة مطلقًا؛
باعتبار الدين هو مجموعة قوانين إلهية مميزة للدولة الدينية... فكانت الدولة المدنية
بمبدئها الرافض لتدخل الدين في السياسة دولة علمانية..]([5]).
- يقول الدكتور: سليمان الضحيان [ الحكومة المدنية في الفضاء المعرفي الغربي تعني تنظيم
المجتمع وحكمه بالتوافق بين أبنائه بعيدًا عن أي سلطة أخرى سواء دينية أو غيرها، أي
إن شرط ( العلمانية ) أساسي في تلك الحكومات ]([6]).
- ويقول أبو العلا
ماضي، وكيل مؤسسي حزب الوسط المصري: [نريد أن نتجاوز التسميات إلى المضامين،
أي أن المضمون للفكرة هي: قيام الدولة على أساس مدني، وعلى دستور بشري أيًا كان مصدره،
وعلى احترام القانون، وعلى المساواة وحرية الاعتقاد ويزيد الأمر تفصيلًا فيضيف: نقبل
وننادي وندعم الدولة المدنية الحديثة القائمة على سلطة الشعب في التشريع، وكما ورد
بالنص في برنامج حزب الوسط الجديد في المحور السياسي
( الشعب مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار
من التوازن العام ) وهذا المبدأ يتضمن حق الشعب في أن يشرِّع لنفسه وبنفسه القوانين
التي تتفق ومصالحه]([7]).
- ويقول مسفر بن صالح الوادعي: [إن مصدر السلطة في الدولة
المدنية هو الأمة والشعب؛ فالأمة باب الشرعية الوحيد لها... وللسلطة في الدولة المدنية
ثلاثة أنواع مستقلة عن بعضها تمام الاستقلال، ولكل منها مؤسساتها واختصاصاتها، وهي:
السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية... والمواطنة في الدولة المدنية حق لكل من
توافرت فيه شروطها، بغض النظر عن دينه وعرقه، ومن حصل عليه كفلت حقوقه باسم القانون،
فلا طبقية ولا طائفية ولا عنصرية]([8]).
- ويقول خالد يونس
خالد: [لا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة المذهبية أو الدينية المجردة
من العلمانية؛ لأن العقيدة، أية عقيدة كانت لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة
طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد. ومن هنا تبرز أهمية حرية العقيدة في المجتمع
المدني... إلى أن يقول: وأخيرًا نؤكد أن الدولة المدنية العلمانية الليبرالية الدستورية
ليست شكلًا مجردًا وإنما هي مضمون يساهم في تقدم المجتمع بكل مكوناته وقومياته وأديانه]([9]).
- ويقول سامح فوزي: [استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة بما يتطلب من خلو المجال
العام من كل الإِشارات والرموز الدينية،]([10]).
-
والكتاب المسلمين يعرفون هذا تمامًا فقد قال عارف الصبري: [والدولة المدنية مفهوم
مترجم ومعرب عن الثقافة الغربية الحديثة ويقصد به الدولة التي تستقل بجميع شؤونها
عن الدين وعن الدولة الدينية التي كانت تمثلها الكنيسة وهو ما يعني أن الدولة
المدنية دولة علمانية لا دينية، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من فلاسفة الغرب.
أركان
الدولة المدنية الديمقراطية:
بعد
أن تخلصت أوروبا من تسلط الكنيسة وفصلت الدين عن الدولة استقرت وتطورت أنظمتها
السياسية، وعرفت قوانينها بالقوانين المدنية التي ترفض تدخل الكنيسة ورجالها في
الشأن العام. وما يميز هذه
القوانين أن لها ركنين أساسيين هما:
الأول: أن
القوانين وضعية، أي يضعها البشر.
الثاني: أن
هذه القوانين تقوم على أساس عدم التمييز بين المواطنين سواء من حيث الجنس أو اللون
أو الدين أو العرق أو اللغة وهو ما يعرف اليوم بـ " المواطنة المتساوية ". وهذا
يعني أن الدولة المدنية دولة علمانية لا دينية لا مكان فيها للديانات السماوية ولا
للكتب المقدسة في شئون السياسة والحكم]([11]).
-
ويقول غازي التوبة بعد أن استعرض وأطال تحت عنوان ما هي الدولة المدنية: [الخلاصة: قد
جاء مصطلح "الدولة المدنية" مقابل "الدولة الكنسية" وهو مصطلح
له مضامين محددة منها: التمركز حول الإنسان دون الالتفات إلى ما يتعلق بالله،
والاهتمام بالدنيا فقط، دون أي اعتبار للآخرة، وإطلاق شهوات الجسد وملذاته دون أي
اعتبار للروح]([12]).
- ويقول جمال سلطان في مقال حوار في الديمقراطية [بعد
أن حققت (الدولة المدنية) بمفكريها ورجالاتها النصر النهائي على الكنيسة ورجال
الدين، وانتزعت السيادة منهم على النحو الذي يعرفه ببساطة أي دارس للتاريخ الأوربي
الحديث.
وكان من
مترتبات هذا النصر النهائي للحركة الديمقراطية، أن نزعت صفة القداسة عن أي وضع وأية
قضية وأي معنى، ما لم يقرر الشعب أنه مقدس، والحرام هو ما غلب رأي الناس أنه حرام،
والحلال هو ما غلب رأي الناس أنه حلال، بغض النظر عن أي مرجعية أخرى، دينية أو
غيرها ]([13]).
- ويقول محمد بن شاكر الشريف:[ الدولة
المدنية: هذا مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة،ويقصد به الدولة التي
تستقل بشؤونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة؛ فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب
المصالح والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت؛ لا تخضع لتدخلات الكنيسة
والكنيسة في الغرب كانت هي راعية الدين والممثلة له؛ فاستقلال الدولة المدنية عن
تدخل الكنيسة ووضعها للقوانين حسب المصالح، معناه عند القوم استقلالها عن الدين,
وهو ما يعني أن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية]([14]).
- وقال محمد عبد الشافي القوصي في مقال دفاعًا عن هوية
الأمة الثقافية: [ فالقوم يراهنون على تمزيق هوية الأمة الثقافية، حتى تصبح فاقدة الوعي
والذاكرة، وتصير عالة على موائد الغرب وفتات الآخرين.
وهم يقولون جهلًا: لماذا
تُدخِلون الإسلام في كل شيء ؟! وكثير من هذه الشرذمة لا يؤمنون بالإسلام أصلًا،
وإن كان بعضهم مسلمًا بالهوية والاسم، كما أن هذه
الفئة تعد الإسلام نفسه تخلفًا وجمودًا وتأخرًا،... إنهم بالتعاون مع سادتهم وكبرائهم
"يغربنون" العالم العربي والإسلامي، ويركّعونه، ليحوّلوه عبدًا وخادمًا
بألف وسيلة: بالترويج للمذاهب والفلسفات الغربية، والتسويق للنظريات الاستهلاكية الشاذة،
والتفريغ الفكري والثقافي، أولئك « أعداء الأمة » من علوج التغريب وسماسرة الفكر وتجار
المذاهب الذين تلقّفوها من فوق قمامة الفكر الغربي، وروّجوا لها عبر صحفهم ومجلاتهم
المأجورة، فصنعوا بها واقعًا مريرًا، ودنيا مختلطة، وراحوا يطالبون الآخرين بأن يعتنقوها
ويؤمنوا بها، بلْ يرهبونهم بشتى الوسائل، سيقول المغفلون من الأعراب فيما بينهم:
واصِلوا الدفاع عن « العلمانية » و « الحداثة » و « التنوير » لإزالة الثوابت
الدينية، وإقامة الدولة المدنية، ونشر مبادئ العلمانية، وما أُوحي إلينا، وما أُوحي
إلى أساتذتنا من قبل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى
آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [ص: 6]([15]).
- وقال الشيخ عبد العزيز صقر: [التأصيل الفكري لمفهوم الدولة المدنية: قامت الدولة المدنية على أساس استبعاد الدين من
عملية بناء القيم السياسية التي تمت على أساسها عملية تفسير
ظاهرة السلطة، وتقنين العلاقة السياسية بين المواطن والحكومة؛ في إطار الدولة
القومية؛ التي استبعدت الرابطة الدينية كأساس للتجانس الاجتماعي, والتكامل السياسي,
وكرد فعل، فقد كان من الطبيعي أن تقوم الدولة المدنية على أسس نظامية تتعارض
تعارضًا كاملًا مع مقتضيات الدين، وألا تعتمد في بناء هيكلها القيمي على العقيدة
المسيحية، أو على أيّ عامل معنوي آخر.]([16]).
وبهذا نصل إلى أن { الدولة المدنية هي نظام لإقصاء
الدين, وتأليه الهوى وجعل السيادة للأهواء البشرية وجعل الهوى مصدرًا وحيدًا
للتلقي والتشريع سواء كان هذا الهوى هوى جمعي, أو هوى السلطة, أو هوى الشعب, أو
هوى ممثلي الشعب, وعدم اعتبار أي قيمة لله؛ تعالى الله عما يقول الكافرون, أو
لكتبه أو لرسله, والداعي إلى مثل هذه الدولة هو كافر خارج عن ملة الإسلام واليهود
والنصارى, والصوفية والشيعة بل حتى الهندوكية والبوذية}.
ونحن نعلم أن أناسًا يظنون أنفسهم مسلمين, يتبنون مثل
هذه الدولة ويدعون إليها؛ مثل الذين حضروا مؤتمر المعارضة السورية في الرياض, الذين
يبذلون كل ما يستطيعون لإرضاء الكفر وإغضاب الله, فكيف يتنزل نصر الله على مثل
هؤلاء الهوام الطغام.
والقدرُ
الثابتُ في نظراتِ هؤلاء الفلاسفة, أو أتباعهم أو السماعين ممن يقبلون كلامهم, سواء
في الديمقراطية أو العلمانية أو الدولة المدنية أو الليبرالية أو المواطنة أو
التعددية, هو رفضهم جميعًا لأيِّ مرجعيةٍ دينيةٍ؛ أي رفضهم للدين, ولِحَقِ الله
تعالى في التشريع, أو السيادة, أو أن يكون إلهًا, لأن التشريع من حقوق الألوهية,
ورفض أن يكون لله تعالى ولرسله وكتبه أي سلطة أو وصاية، أو الحق في توجيه البشر, فالأمرُ
قد تجاوزَ المسيحيَّةَ إلى الله تعالى ومطلقِ الدينِ, وهذا مفهومٌ موغلٌ في التوحش
والعدوانية والأنانية والجاهلية وعبادة الهوى, والكفر والشرك والردة والزندقة, والاستعلاء
بجعل عباد الله خولًا, وهدر كرامتهم، وهذا لا يقبله الإسلام والمسلمون, بل لا
يقبله أي عاقل, وهو الذي سماه الله حكم الجاهلية, {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ
يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ
يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:
49، 50] وكل داع لهذا إن كان سابقًا من المسلمين فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا
قتل.
تقوم
الدولة المدنية على مبادئ.
1-
وجود دستور تم الاتفاق عليه بشرط خلوه من تمسكه بدين ما أو اعتماده على دين ما أو
تدخل دين ما أو مرجعية دين ما بالتشريع أو تحديد دين الرئيس وما شابه ذلك.
2-
مبدأ حرية التدين أو أن لا يكون للإنسان
دينًا ابتداءً فالمواطن يختار انتماءه العقدي، وما يحلو له تقديسه وما يحلو له
تنجيسه وفي أن يمارس طقوسه على ما يهوى.
3-
مبدأ المساواة بين المواطنين جميعًا في
الأمور السياسية والقانونية والاجتماعية والإدارية وغيرها؛ بغضّ النظر عن الانتماء
الديني من عدمه أي يحق في الدولة المدنية لعابد الفرج والشيطان والفئران أن يكون
رئيسًا للبلاد ووجوب طاعته. ولا يحق لرجل أن يمنع ابنته المسلمة من الزواج بيهودي
أو سيخي أو عابد فرج أو بوذي أو امرأة مثلها لممارسة السحاق وما شابه تحت طائلة
القانون.
4-
عدم تقبّل الدين كمصدر تشريع أو إلزام
أخلاقي أو أي مكانة في المجتمع لأن ذلك ينتقص من حق السيادة للمواطن إلا إذا أراد
المواطن أن يلتزم بنفسه لنفسه.
5-
مبدأ الفصل بين العلاقة الدينية والعلاقة
السياسية، بمعنى الفصل بين علاقة الإنسان بخالقه أو بالقوى الغيبية التي يؤمن بها،
وبين علاقة المواطن بالسلطة، وجعل العلاقة الأولى دينية خاصة ومرتبطة بالضمير
الفردي، في حين اعتُبرت العلاقة الثانية مدنية وعلنية ومتحرّرة من الغيبيّات.
6-
ألا يتدخل التعليم الوطني بتعليم دين أو نشره أو الدعاية له.
7-
ألا تقام شعائر دينية بشكل علني لا يرضاها الآخرون، الآذان مثلًا يزعج جماعة
الدولة المدنية والعلمانية.
8-
للدولة السلطة العليا على المؤسسات الدينية ودور العبادة إن وجدت.
9-
القبول بالديمقراطية كطريقة حياة.
10-
الاعتراف بحقوق الإنسان كما أقرتها الأمم المتحدة والاعتراف بالقوانين الدولية.
هذه
هي الدولة المدنية التي يدعو إليها جماعة الإسلام المعتدل, ومنهم السماعون الذين
شاركوا في مؤتمر الرياض, وهذه كما يعلم كل مسلم, - دع ما يسمى الإسلام المعتدل
الوسطي على المقاس الأمريكي ومقررات مؤتمر راند- كما يعلم كل مسلم هي ردة عن دين
الله, والمرتد يستحب استتابته قبل قتله, وإن قتل دون استتابه فدمه هدر, فهل يؤوب
هؤلاء إلى الله ويعلنوا توبة صريحة مدوية كما أعلنوها ردة مدوية.
ويقلعوا
عن المسير في ركب دول الكفر والردة ويصدقوا الله فيما يقول: {إِنَّ الْكَافِرِينَ
كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: 101]
وما
قال سبحانه: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً
فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا
تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } [النساء: 89]
وقوله
تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ
مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ
وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
(1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ
أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ
تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ
بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا
بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ
وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى
تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ
لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا
لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الممتحنة: 1 - 5]
نأمل
من الله أن يؤوب هؤلاء قبل فوات الأوان.
إن
مستقبل أمتنا وإعلاء كلمة ربنا؛ لا تأتي عبر مؤتمرات الكفر والزندقة التي يرتبها
أعداؤنا, ويُساق إليها السماعون, ولن تقوم دولة الإسلام وعز الإسلام إلا بالجهاد,
وعمل أبناء الإسلام؛ الخالص لله, المستقيم على سنة رسول الله, بعد توفيق الله عز وجل. إن خصائص وميزات وصفات
وعوامل تكوين وبناء أمتنا؛ كل هذا من الإسلام, والإسلام حصرًا, فالقرآن والسنة هما
مصدر التلقي الوحيد والمتفرد فقط, وليس قمامة الكفر.
واستجلاب
أي مصادر وعوامل رديفة أو موازية, أو تطعيم الإسلام بالفلسفات, فهذا هو الحالقة للدين والقاتلة للأمة.
عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ
يَهْدُوكُمْ، وَقَدْ ضَلُّوا.([17]).
وعَنْ
جَابِرٍ أيضًا: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ كِتَابًا حَسَنًا مِنْ بَعْضِ
أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ
نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا
بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ
مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي([18]).
تصوروا معي هذا في شأن موسى النبي الرسول وهو من
أُولي العزم ومن نزلت علية التوراة عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. فكيف نستورد
كفر الفلاسفة وننشئ دولة على أساس هذا الكفر.
اللهم
إن هذا بهتان وكفر وردة وزندقة لا نرضى بها ونبرؤ إليك منها وممن يدعون إليها .
[1] - سيتُوبلازم ( اسم ): سائِلٌ
هُلامِيٌّ يُوجَدُ بِالخَلِيَّة
سيتوبلازم أو المادة التى تسبح
فيها عضيات الخلية, وفي الاصطلاح البيولوجي، هي المكون الرئيسي الذي يملأ الخلية، يمثل حجمه 54 - 55 % من حجم الخلية. يحده خارجيا الغشاء الخَلَوِيّ، وداخليا (في الخلايا الحقيقية النوى، إذ تفتقد الخلايا البدائية النوى للنواة) الغشاء النَوَوِي.
[2] - انظر الماسونية ذلك العالم المجهول: صابر طعيمة، ص/ 236، 237.
[3] - الثابت والمتحول ج2 ص 112 - 113
[6] - د: سليمان
الضحيان، جريدة الوطن الإثنين 24 ربيع الآخر 1427هـ الموافق 22 مايو 2006 م العدد
(2061) السنة السادسة
http://www.alarabiya.net/Articles/64.233.167.104/search?q=cache:oDa--
ISKjssJ
[9] - خالد يونس
خالد، موقع تنوير471 http://www.kwtanweer.com/articles/readarticle.php?articleID=، ورقة قدمها الكاتب إلى مؤتمر
الدولة المدنية ضمن سلسلة مؤتمرات دعم الديمقراطية في العراق التي عُقدت في لندن
خلال الفترة 24 - 31 يوليو/تموز 2005 والمنظمة من قبل لجنة دعم الديمقراطية.
[12] - د. غازي التوبة | 11/10/1433 هـ موقع المسلم
[14] - مجلة البيان العدد 229
[18] - مصنف ابن أبي شيبة (5/ 312) 26421
0 التعليقات:
إرسال تعليق