موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأربعاء، 10 فبراير 2016

الاستقامة طريق النصر

الاستقامة طريق النصر
رضوان محمود نموس (أبو فراس)
إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فالمسلم ملزم بأن يتبع منهج أهل السنة والجماعة، وهو ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم.
وهو ما نفهمه من قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام: ١٥٣
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملَّة واحدة » فقيل له: ما الواحدة؟ قال: « ما أنا عليه اليوم وأصحابي »([1]).
عن معاوية بن أبي سفيان قال: [إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملَّة، وإنَّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملَّةً، يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله) والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به]([2]).
و[عن جبلة عن عامر بن مطر قال: كنت مع حذيفة فقال: يوشك أن تراهم ينفرجون عن دينهم كما تنفرج المرأة عن قبلها، فأمسك بما أنت عليه اليوم فإنه الطريق الواضح، كيف أنت يا عامر بن مطر إذا أخذ الناس طريقًا والقرآن طريقًا، مع أيهما تكون؟ قلت: مع القرآن أحيا وأموت معه، قال: فأنت أنت إذا].([3])
و ما ورد في الحديث الصحيح  الذي رواه ابن ماجة وأحمد والحاكم وغيرهم:
 [عن العرباض بن سارية يقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! إن هذه لموعظة مودع؛ فماذا تعهد إلينا؟ قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ] ([4])
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تبين وجوب الالتزام بمنهج الكتاب والسنَّة.
فبعض الجماعات والمجاهدين والدعاة، ونتيجة لضغوط الواقع, وضعف النفوس, ولمخالطتهم الذين كفروا واستماعهم لنصائحهم أو الركون إليهم  يتيهون عن السمت أو يضيِّعون البوصلة، فيفقدون الاتجاه المطلوب أو ما يساعدهم على تحديده، فيسعون إلى ما يتوهمونه مكاسب لقاء التنازل عن بعض أصول الإسلام، ويطيعون الذين كفروا {فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} فينحرفون عن المنهج، ويستسلمون  لمساومات الأعداء وألاعيبهم، ويضعون  قدمًا على سلم التنازلات التي لا تنتهي إلا بانتهاء الدين عياذًا بالله؛ أو التوبة والرجوع عن هذا الطريق.
ومن المفروض أن تكون القضية جلية واضحة، وهي أن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة، وليست شيئًا آخر على الإطلاق، وإن خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان، ولا يسخطون منهم إلا العقيدة ولا يغيظهم إلا الدين، قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) البقرة: ١٢٠   
وقال تعالى:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) المائدة:٥٩
وقال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) النساء: ٨٩  
وقال تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) البقرة: ١٠٥
إنه وهمٌ كبير, وسرابٌ خطير, ذلك الظن الذي يزعم أصحابه؛ أنه يمكن للحق والباطل, وللإيمان والكفر, أن يتعايشوا على هذه الأرض بسلام وأمان، وعلى وفق قواسم متفق عليها, المشترك الإنساني –زعموا-, ولا ريب أن هؤلاء مخدوعون أو مخادعون أو أنهم تركوا الحق للباطل، وأسلموه الراية والقيادة ابتداءً، وركبوا في المقاعد الخلفية لعربته. ذلك لأن الكفر لا يستطيع أن يرى الحق، أو يقبله شريكًا إلا إذا أصبح الحق باطلًا، من ثمَّ لا بد من محاولات لطمس الحق وتغيير لونه وإطفاء نوره، وهنا إما أن يدافع أهل الحق والإيمان عن إيمانهم أو أن يتنازلوا عن هويتهم ويسمحوا للكفر بإطفاء النور، وإسدال ستائر الضلال والعيش معه في أوكار الرذيلة وسراديب الظلام.
لا بد للحق حتى يبقى حقًا من قوة تحميه، وتردع الباطل، وتضع حدًا لعربدته وطغيانه، فالباطل لا يفهم إلا لغة القوة، ولهذا قال لوط عليه السلام (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) هود: ٨٠  ولقد جاء في الحديث (فما بعث الله بعده نبيًا إلا في ثروة من قومه)([5]) وفي رواية (ذروة من قومه) قال محمد بن عمرو: الثروة: هي الكثرة والمنعة.
نعم إن الباطل لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يرى إلا بريق السيوف، ولا يسمع إلا هدير المدافع، وهو أصمّ أعمى عن الحق المسالم، عن الحق الضعيف، فهؤلاء قوم شعيب عليه السلام (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) هود: ٩١ – ٩٢ هذه هي قدرة الباطل على الفهم، إنه يفهم القوة المحسوسة فقط، ولو رأى ألف ألف حكمة داسها بقدمه، ولو رأى مخلبًا واحدًا يرجع إليه أدبه حتى حين.
ولما وعى شاعرنا هذه الحقيقة من خلال القرآن ومما رأى شخصيًا أنشد قائلًا:
هذا تراث المسلمين فبعضه *** يزجى علانية وبعض يسرق
عجز الحماة فنائم متقلب *** فوق الحشية أو مغيظ محنق
القوم صم في السلاح وقومنا *** مستصرخ يعوي وآخر ينعق
إن كنت ذا حق فخذه بقوة *** الحق يخذله الضعيف فيزهق
لغة السيوف تحل كل قضية *** فدع الكلام لجاهل يتشدق
وكن اللبيب فليس من كلماتها *** شرع يداس ولا نظام يخرق
الخيل والرهج المثار حروفها *** والنار والدم والبلاء المطبق([6])
لا رادع للباطل إلا القوة، ولا مانع له إلا الخوف، هذه هي طبيعة الباطل منذ خلق، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهكذا مع كل الرسل والأنبياء يأبى الباطل إلا أن يدسَّ رأسه في التراب ويركب شيطانه لينازل دعوة الحق ولطالما مُنيَ بالهزائم ولا متعظ.
لا بد لأهل الإيمان من أن ينظِّموا أنفسهم لتبليغ دعوتهم، وللوقوف في وجه الباطل، ولينفذوا التكليف الإلهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليكونوا بنيانًا واحدًا يشد بعضه بعضًا، فالفوضى لا تجابه التنظيم، والشتات لا يواجه القوة، والبدع لا تصمد أمام الكفر، والجماعات المتفرقة المتناحرة ليس لها لسان يدعو إلى الحق، ولا تستطيع الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، لأنها هي تتبع الأهواء، من أجل هذا طلب بنو إسرائيل ملكًا ينظمهم ويقودهم إلى الحرب، ويجمع شملهم، ويلمَّ شعثهم، ويوحِّد كلمتهم، ويخلِّصهم من أمراضهم ليجابهوا  الكفر بعد ذلك (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) البقرة: ٢٤٦  (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) البقرة: ٢٤٧ ولكن هل يقاتل هذا القائد المؤمن أعداءه الكفرة بمن معه، أو بمن تَأَتَّى له جمعه، بغثِّه وسمينه، بصالحه وطالحه، أم لا بدَّ من تمييز الصف وضبطه وتنقيته من الشوائب وتصفيته من العكر، قدر الطاقة البشرية، والله يدعونا لذلك فيقول: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ) آل عمران: ١٧٩ لذلك عمد الملك المؤمن طالوت إلى تنقية صفه (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلًا مِنْهُمْ) البقرة: ٢٤٩ قال ابن كثير في تفسيره: قال السدي كان الجيش ثمانين ألفًا، فشرب منه ستة وسبعون ألفًا، وتبقى معه أربعة آلاف.
وقد روى ابن جرير عن ... عن البراء بن عازب قال: كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وبضعة عشر، على عدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر، وما جاوزه إلا مؤمن. وروى البخاري عن البراء بنحوه. ولهذا قال الله تعالى: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) البقرة: ٢٤٩ أي: استقلُّوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرته وقِلَّتهم، فشجعهم علماؤهم العاملون بأن وعد الله حق، فإن النصر من عند الله، وليس عن كثرة عدد ولا عدة، ولهذا قالوا: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة: ٢٤٩.
نعم شجعهم علماؤهم العاملون الذين كانوا معهم في المعركة؛ ولم يكونوا وراءهم مع النساء والخوالف, ولم يكونوا في البلاد المجاورة يصيحون وينَظِّرون ويطالبون المجاهدين بضلالات ونقض بيعات ليرضى عنهم الطاغوت، وحالهم  كما وصف الشاعر عبد الله عيسى سلامة:
فقلت صهٍ سآخذكم وأمضي *** إلى  بلد يلذ به المبيت
وأصرخ من هناك بملء صوتي *** وأحلم بالمعارك ما حييت
فإن أفنى فما يجدي فنائي *** [ وأُستَوزَرْ إذا أَنِّي بقيت]
نعم لم يثبطوهم ويصفوهم بالخوارج والتطرف, والإرهاب والتكفير, والتشدد والتزمت, وأنه بسببهم فقدوا راحتهم, وفقدوا رياستهم, وفقدوا تجاراتهم, كانوا يأكلون ويتمتعون, ويرقصون ويغنون, ويتكلمون عن كرامات الأولياء وضرب الشيش, والجهاد أفسد عليهم معاشهم. نعم لم يطالبوهم بفك بيعتهم للمجاهدين حتى يُقبلوا ويسيروا بركب القابلين بهيمنة الكفر الغربي. ومسايرة الحضارة والمشترك الإنساني,
 نعم كانوا معهم ولم تصدر فتاوى التخذيل والتجريم, والإفك والبهتان, من مكاتب الإفتاء الحكومية وغير الحكومية, أو القنوات الفضائية, أو المجالس الانهزامية العميلة, ولم يحرفوا كلام الله عن مواضعه ولم يكونوا سمَّاعين للكذب أكَّالين للسحت رسل أنظمة الردة. ولم يدعوا إلى طاعة الطواغيت والالتزام بقوانين الكفر، أو القتال تحت راية المرتدين, ولم يدعوا إلى التحالف مع دول الردة, ولم ينعتوا المجاهدين بالغلاة والتعصب والتزمّت، بل شجعوهم وساروا معهم وانطلقت العصبة المؤمنة المتعلقة بالله عزَّ وجلَّ والتي عمرَ قلبها الإيمان فظنت بالله الظن اللائق، وعلمت أن النصر من عنده تبارك وتعالى، ودارت الدائرة على الذين كفروا، وانكشفت المعركة عن نصر المؤمنين قال تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) البقرة: ٢٥١. فما بال أقوام دأبهم التحالف مع الكفار لا ينفرط تحالف مشؤوم حتى يسارعوا لعقد ما هو أشأم منه، يتحالفون مع الكفار الذين يعلنون كفرهم ليقاتلوا معًا، أو ليشتركوا معهم في الحكم، بل ليكونوا تحت مظلتهم، لأنه لا يسمح للمظلة الإسلامية أن ترتفع في البلاد التي يحكمها حكومات يسمونها إسلامية؛ -زعموا-، وآخرون يغيرون اسمهم لأن اسمهم يشير إلى الإسلام ولو من بعـيد، وهذا يؤذي آذان الأنظمة الكافرة وحلفائها من أنظمة الردة بل حتى رسل هذه الأنظمة.
ويجب أن نعلم علمًا يقينيًا راسخًا أن النصر من عند الله، وأن الله ينصر من ينصره، فمن أراد أن ينتصر فلينصر الله. قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) آل عمران160
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد: ٧
وقال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آل عمران: ١٢٦   
ومن أراد أن ينتصر فليعبد الله حقيقة ولا يشرك معه شيئًا لا طاغوت الحاكمية, ولا طاغوت الأقطاب والأغواث والأوتاد والمعصومين, ولا طاغوت الأهواء, ولا التقديم بين يدي الله جل جلاله, أو بين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم, ولا طاغوت الديمقراطية, ولا طاغوت المجتمع المدني، ولا طاغوت الأنسنة، ولا طاغوت التعددية, ولا طاغوت فصل الديني عن السياسي, ولا طاغوت العلمانية,  ولا طاغوت الأحزاب السياسية, ولا طاغوت المجتمع الدولي....الخ قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) النور: ٥٥  
فإذا لم ننتصر فلنراجع عقيدتنا وديننا ولننظر إلى أنفسنا، ولنعدْ إلى الكتاب والسنة فإنما الخلل فينا. قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران: ١٦٥
هذا هو الطريق: العودة إلى الله, إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليس العودة إلى الطاغوت والجاهلية, والبحث عن الاستعانة بأنظمة الردة والزندقة, إنه عبادة وجهاد لإعلاء كلمة لله وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}([7]). فطريق النصر عبر التمسك بالعقيدة الصحيحة وليس الحرص على الدنيا, إقامة الدين في نفوسنا حتى يقوم على أرضنا, العمل لإعلاء كلمة الله وليس لإعلاء أهوائنا ورغباتنا.
نحن نعلم يقينًا، أن وعد الله لا يتخلف أبدًا، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]
ولكننا نطلب النصر الظاهر الذي تحبه أهواؤنا ولا يلزم أن يكون هذا هو النصر الذي وعد الله به أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين.إن النصر الحقيقي هو انتصار المنهج وليس انتصار الأفراد, النصر الحقيقي هو الثبات على الحق وليس السكن في القصر الجمهوري, النصر الحقيقي هو إعلاء كلمة الله ولو أدى ذلك إلى الشهادة التي هي قمة النصر؛ وليس إعلاء مكانة الرجال بتولي المناصب التي يرونها رفيعة, النصر الحقيقي هو أن تسيل دماؤنا في سبيل الله؛ وليس أن تسيل الدولارات بين أيدينا, النصر الحقيقي هو أن نرمق الطواغيت من علٍ يساوي علو منهجنا؛ وليس الارتماء عندهم والسعي إليهم, النصر الحقيقي هو أن نسعى ونحفِد إلى الله؛ لا أن نسعى ونحفِد إلى مشاركة الطواغيت, النصر الحقيقي هو أن نعيش تحت ظلال السيوف؛ لا تحت الأنظمة الجاهلية ولو كنا فيها وزراء أو قادة, فالارتفاع في الأنظمة الجاهلية هو عين الانحطاط. 
وإننا لنجد هذه المعاني من معاني الانتصار في الآيات وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟ قال (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)([8]).
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الانتصار الحقيقي هو الثبات على الدين،  والموت دون حياضه وعدم التراجع مهما بلغ الأذى وتجبر الطغاة. وكما حدث لعبد الله الغلام عندما قتله الملك، فقالت جمهرة من قومه: (آمنا بالله رب الغلام).
فعَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلاَمًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلاَمَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي. وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ. فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَي  بُنَي أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّى. قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلاَ تَدُلَّ عَلَىَّ. وَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِى النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ. فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي. قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلاَمِ فَجِيءَ بِالْغُلاَمِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَي بُنَيَ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. فَقَالَ إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلاَمِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاقْذِفُوهُ. فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.
فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ. قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ. ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي. فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ. ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ.([9]).
فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ. فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ. فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِىٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ يَا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ ».
لقد انتصر الأعمى مرتين: الأولى عندما أعلن إيمانه وسما بعقيدته ولم يداهن الملك, والثانية عندما قدم روحه في سبيل هذه العقيدة فارتفعت إلى السماء، وفتِّحت لها أبواب الجنة, وانتصر الراهب مرتين: الأولى عندما صدع بدعوة الحق ولم يخش إلا الله، والثانية: عندما قدم روحه ولم يتنازل عن عقيدته، فسمت روحه فوق الطواغيت إلى بارئ السماء، وانتصرت المرأة مرتين الأولى: عندما قدمت نفسها قربانًا لعقيدتها، والثانية: عندما ضحت بابنها الرضيع في سبيل هذه العقيدة أما الغلام فانتصر مرات ومرات عندما كان يهزأ بالطاغوت ويعود إليه مرة بعد مرة ليريه ضعفه وخذلانه ويعري باطله أمام الناس ثم ليجبره وعلى الملأ أن يسميَ الله رب الغلام، فيدخل الناس في دين الله أفواجًا، ولقد انتصر الشعب عندما آمن بالله رب الغلام ورمى الدنيا والملك والحياة وراء ظهره، وارتفع في عقيدته فوق المتع الزائلة.
النصر الحقيقي أن تفتَّح لك أبواب السماء وليس أبواب السفارات, النصر الحقيقي أن تدخل الجنة وليس الوزارات, النصر الحقيقي أن تكون مقبولًا عند الله وليس عند الطواغيت. النصر الحقيقي أن يسلك ما بينك وبين الله وليس ما بينك وبين المرتدين والكافرين والضالين والمبتدعين.
ويوم الحديبية ظن المؤمنون أنَّ عدم دخول مكة وأداء العمرة هزيمة، بينما كانت نصرًا والله جل جلاله سماها فتحًا قال تعالى: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }  الفتح1.
قال ابن كثير: فقوله: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } أي: بينًا ظاهرًا، والمراد به صلح الحديبية فإنه حصل بسببه خير جزيل، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض  وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان. قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام. قال الشعبي: لقد أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما لم يصب في غزوة، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرّضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله.
ثم أليس قتل المجاهد أو الداعية شهادةً في سبيل الله ونصرًا له. قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران: ١٦٩
 قال تعالى: (قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) يس: ٢٦ – ٢٧
قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) التوبة: ٥٢   فقتل المجاهد أو الداعية في سبيل الله انتصار للمجاهد من عدة جوانب، أهمها:
1- بقاء ونمو منهجه: فالمناهج الحقة هي شجرة لا تنمو إلا بدماء الشهداء.
2-  الشهادة، وهي من أعظم أنواع الانتصار، قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران: ١٦٩ – ١٧٣
وانظر إلى الأنصار رضي الله عنهم لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية ولم يكن قد شرع الجهاد ولكنهم يعلمون النتائج وطبيعة الطواغيت وكراهيتهم للحق.
 [فعن أبي الزبير عن جابر فذكر حديث العقبة وفيه: فأخذه بيده يعني النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين إلا أنا فقال: رويدًا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأَنْ تعضّكم السيوف، فأما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم ومفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله، وأما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا: يا أسعد أمط عنا يدك فو الله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها... وروينا عن ابن إسحاق ... أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس لسعد بن عبادة بن نضلة: يا معشر الخزرج إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فذكر نحو ما تقدم] ([10]).
والمؤمن أمره خير كله ولقد جاءت السنة تؤكد ذلك:  فعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ».([11]).
ولذلك قال شيخ الإسلام مجليًا هذا الأمر:
ما يصنع أَعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني. أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة وكان يقول: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه والمأسور من أسره هواه.([12]).
 فالكفار والذين أضاعوا دين الله وتاهوا في لذاتهم وترفهم، فهم وإن بنوا القصور وشيدوها وازدهرت لهم الدنيا؛ فإنهم في الحقيقة في جحيم، كعابدي الأوثان يبنون القصور ثم يعبدوها ويخافون عليها فيتخلون عن دينهم حتى لا يتخلوا عن متعهم!!! حتى قال العالم المجاهد عبد الله بن المبارك: (لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف).
وهنا ندرك من المنتصر حقيقة ومن المنهزم، إن الانتصار والهزيمة أبعد شأنًا وأكبر مقامًا مما يتخيله بعضهم.
إن ثبات المجاهد على مبدئه، هو انتصار باهر، وفوز ساحق، حيث يعلو على الشهوات والشبهات، ويجتاز العقبات بشجاعة وثبات، بل إنه لا يمكن أن يتحقق الانتصار الظاهر إلا بعد تحقق هذا الانتصار.
 فإبراهيم، عليه السلام، وهو يلقى في النار كان في قمة الانتصار.
وأهل الأخدود كانت قمة انتصارهم عندما ألقي بهم.
وعيسى عليه السلام كان في قمة الانتصار عندما ظن الطواغيت أنهم صلبوه وقد رفعه الله إليه.
ومحمد صلى الله عليه وسلم كان في قمة الانتصار عندما أخرج من مكة وما الانتصارات اللاحقة إلا ثمارٌ لهذا الانتصار.
والإمام أحمد -رحمه الله- عندما ثبت على مبدئه في محنة القول بخلق القرآن، ورفض الاستجابة لجميع الضغوط ومحاولات التراجع كان في قمة انتصاره. وكان المأمون وبطانة السوء في أركس مستنقعات الهزيمة، وها هي الآن مكانة ودعوة الإمام أحمد, وليبحث الباحثون عن مصير المأمون وبشر المريسي وأحمد بن أبي دؤاد وبطانتهم ودعوتهم.
وسيد قطب كان في قمة الانتصار عندما علقه طاغوت مصر العبد الخاسر على أعواد المشانق فأين العبد الخاسر وبطانته وفلسفة الثورة والزبد والهراء؛ وأين مكانة سيد قطب ودعوته التي ما زالت تحرق أكباد الطواغيت في كل مكان حتى تجعلهم لا يهنؤون على السرر يتقلبون من جمرات القهر..
إن النصر له معان كثيرة، ربما ندرك بعضها، ويغيب عنا الكثير، ولكننا نؤمن ونوقن أن الرسل وأتباعهم هم المنصورون: قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ)
ومن خلال ما سبق يتضح لنا المفهوم الشامل للانتصار، وأنه لا يجوز لنا أن نحدد نوع الانتصار الذي نريده.
فالأمر لله من قبل ومن بعد، ونحن عبيد له سبحانه، نسعى لتحقيق عبوديته، وليس لتحقيق رغباتنا, وجنود نعمل لإعلاء كلمته, وليس لسيادة آرائنا.
علينا أن نتلقى المهمة التي أوكلت إلينا وأن نتفهمها جيدًا ثم نشمر عن ساعد الجد لتحقيقها وتنفيذها. دون تردد أو تلكؤ أو إبطاء.
 مهمتنا أن نسير على وفق السمت المحدد، وليست مهمتنا الوصول،  فإن وصلنا فبها ونعمت، وإن لم نصل فإننا نكون قد قضينا ونحن على الطريق الصحيح.
شرف الوثبة أن ترضي العلا                           غلب الواثب أم لم يغلب
مهمتنا أن نحقق العبودية لله كما شرع الله وليس بإضافات وتزيدات أو نقصان.
قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) الذاريات: ٥٦
مهمتنا طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس التقديم بين يديه واقتراح ما لم ينزل به سلطانا. قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) النساء: ٦٤
مهمتنا أن نجاهد الكفار والمنافقين فإن انتصرنا فبالله ولله، وإن كانت الشهادة فهي إحدى الحسنيين.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) التوبة: ٧٣
قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)  التوبة: ٥٢
مهمتنا أن نحكم بما أنزل الله وليس باتباع الأهواء والإدهان لكسب الأنصار.
قال تعالى: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) المائدة: ٤٩ وقال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) القلم: ٩
مهمتنا عدم الركون إلى الكفار وطرح التعددية. قال تعالى: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) الإسراء. وقال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) هود.
مهمتنا العمل لإقامة دولة الإسلام حتى لا تكون فتنة وليس العمل ضمن الأنظمة الطاغوتية لتكريس الفتنة. قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة: ١٩٣ قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) الأنفال: ٧٣
فإن تعثرت الأمور فالأمر واضح جلي لا يتنكب عنه إلا الضال. قال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)آل عمران. وقال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) الروم: ٦٠ وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) الأحقاف: ٣٥ .
فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء؛ وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع. الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل؛ ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها أو التنازل عن الثوابت والمسلمات بل لا تنازل عن أي فرع من الدين مهما دق؛ فسلم التنازلات كما أسلفت لا تنتهي درجاته إلا بالوصول إلى الحضيض، والذي يريد مثالًا عمليًا فلينظر إلى تنازلات فتح والسلطة وإلى أين وصلت ودون أي بارقة أمل نتيجة عشرات المؤتمرات وفي كل مؤتمر تنازل جديد عشرون سنة مرت مؤتمرات ولم يستردوا سنتمتر مربع واحد بل ذهبت مئات الكيلو مترات وهجر الآلاف أثناء التفاوض!. ولو فاوضوا مائة قرن لن يعيدوا شيئًا
 لا يجوز التنازل لاتقاء شرهم المتوقع أو كسبًا لودهم المدخول. ثم هي التقوى و الخوف من الله وحده ومراقبته وحده.
تقوى الله التي تربط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا على منهجه، وليس على مناهج الناس وآرائهم. وأفكارهم, ولا تعتصم بحبل إلا حبله وليس بخيوط الدخان التي تنسجها الأوهام.. وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته؛ وستشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم إلا لله، ولا يوّادّ من حادّ الله ورسوله، طلبًا للنجاة أو كسبًا للعزة.
قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) السجدة: ٢٤    
ومما لا شك فيه أن العطب جاء من قبل ضعف العقيدة، وعدم وضوحها، ومن ضعف الإيمان وخلل في تصور الولاء والبراء، ذلك لأن حرارة الإيمان هي التي تدفع بالسلوك والخلق إلى أعلى مراتبه، وهي التي تساعد على قوة الصعود وعدم التنازل عن تطبيق شرع الله مهما كلف الأمر، بل هي التي تحرق المراحل وتذيب العقبات من طريق الجهاد.
إن قوة الإيمان، وفهم العقيدة السليمة،هو الذي ينتشل المسلم من أوضار الجاهلية بشتى أصنافها ومسمياتها، إلى آفاق الرشد والشهادة على الناس وعالمية الإسلام.
[أما الذي يدّعي الإيمان ولكنه يتنازل عن الإيمان - أو عن شيء منه- من أجل الخوف أو الطمع أو غير ذلك فهذا دليل إما على عدم إيمانه أو على نقصان إيمانه، قال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) العنكبوت: ١٠   أما المؤمن فإنه يصبر ولو ناله شيء من المكاره، ولو حاول النّاس أن يصرفوه عن دينه، أعطوه أموالًا، وأعطوه ما يعطونه، أو حاولوا صرفه عن دينه، أو التنازل عن دينه بالتخويف والتهديد بالقتل، والتهديد بالتعذيب، فإنه يصبر، ولا يتنازل عن دينه حتى يلقى الله سبحانه متمسِّكًا بدينه، هذا هو المؤمن حقًّا.]([13]).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




[1] - المستدرك على الصحيحين للحاكم - (1 / 430)
[2] - مسند أحمد 16490 وبترقيم الطبعة المخرجة 16876 وقال حسن، أبو داود 4597 قال الألباني أنه حسن وخرجه في الصحيحة برقم 204
[3] - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 642) برقم: (318)
[4] -  وذكره الألباتي في السلسلة الصحيحة - (2 / 610) برقم: 937 
[5] - مسند أحمد 27513
[6] - قصيدة للشاعر أحمد محرم مطلعها
      من هيبة يغضي القريض ويطرق                               ويميل فيك إلى السكوت المنطق
[7] - صحيح مسلم (2/ 703) 65 - (1015)
[8] - صحيح البخاري - (3 / 1322)
[9] -   صحيح مسلم - (8 / 229) حديث رقم:  7703

[10] - عيون الأثر - (1 / 219)
[11] - صحيح مسلم - (19 / 91) حديث رقم 7692
[12] - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (26 / 385)

[13] - إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (3 / 69)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.