الأزمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
رضوان
محمود نموس (أبو فراس)
لا
يخفى على المهتمين بالعمل الإسلامي أن العمل الإسلامي سواء الدعوي أو الجهادي يمر
بأزمة, بل بأزمات, وليست أزمته قلة العاملين, بل قلة العالمين العاملين الذين
يعلمون قواعد هذا الدين وأصوله وأساليبه وتميزه عن كافة المبادئ والإيديولوجيات, واكتفائه
بذاته؛ لأنه من لدن الحكيم العليم. قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] وقال الله تعالى:
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] ومع أن
العالمين قلة قليلة, ونذر يسير, نرى العاملين منهم أقل من القليل؛ مما دفع وأخلى
المكان للرويبضات لئن يتصدروا ويحرفوا السمت ويعبثوا بالمسيرة.
عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا
الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ،
وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ".
قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: " الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي
أَمْرِ الْعَامَّةِ([1]).
وقد
ظن هؤلاء أن الجو قد خلا لهم فساء ما سولت لهم أنفسهم:
نعم
هناك أزمة وأزمة حادة, يبدأ الانحراف تحت مسمى الضرورة والمصلحة دون ضابط, بل دون
فهم لماهية المصلحة والضرورة, ثم يتحول هذا الانحراف الذي مارسوه للضرورة المتوهمة
بعد التأصيل الانهزامي؛ ليصبح منهجًا معتمدًا, ويعطى أسماءً مضللة مثل؛ تحيي
الخصوم, فقه الاستضعاف, الفقه السياسي, وما إلى ذلك لذر الرماد في العيون.
نعم
هناك أزمة عقدية وفكرية تلف العمل الإسلامي وتأخذ بخناقه وتطوقه من كل صوب, ولب
هذه الأزمة الانحراف العقدي والفكري والديني, حتى غدت الديمقراطية والعلمانية والليبرالية
والانتهازية والبراغماتية من المكونات الأساس في تفكير بعض العاملين الانهزاميين
الذين يصدق عليهم قول الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ
أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 103، 104].
إن
عدم الصفاء العقائدي والنقاء الفكري لديهم, واختراقهم طولًا وعرضًا وعمقًا؛ يزيد
أسباب الأزمة ويعقدها وتصبح شبه مستعصية ولا تستجيب للدواء.
فبينما
تدعو الحاجة إلى فهم الدين فهمًا شاملًا لجميع نواحي الحياة, وأن الإسلام دين
ودولة, دنيا وآخرة, منهج عقائدي, ونظام سياسي واجتماعي واقتصادي وتعليمي
وعسكري, يستغرق كل الحياة منذ بدايتها إلى
قيام الساعة, إلى دار الخلد. نرى بعضهم يعلن القبول بدولة علمانية, ومنهم من شدد
واشترط فقال بشرط أن تتيح هامشًا للدعوة, ونرى آخرين يعقدون ائتلافًا مع النصارى
والشيوعيين والمرتدين والزنادقة لإقامة حكومة وطنية علمانية وفق مشروع محارب
للإسلام برعاية الغرب الكافر.
وآخرون
لا يحركون ساكنًا ولا يُسَكِّنون متحركًا, ولا يهشون ولا ينشون إلا بعد إذن ومشورة
الأنظمة المرتدة وقوى الكفر؛ أسلموا قرارهم لأنظمة الردة لقاء حفنة دولارات,
يزعمون أنهم يجاهدون بها, وكل هؤلاء يزعمون أنهم دعاة أو مجاهدون.
وما
حصل هذا إلا عندما احتلت الزعانف مكان العلماء, واستنوق من كانوا يوما من العلماء,
وتخلوا عن مهمتهم الريادية وأصبحوا تبعًا للطواغيت؛ فأضاعوا دينهم ودنياهم, وضللوا
جماهير الأمة عندما زوروا توقيع الله جل جلاله؛ فالفتوى وكما هو معلوم هي حكم
الدين وهي توقيع عن رب العالمين، فعندما تصاغ الفتاوى حسب رغبة الطاغوت؛ ويقال هذا
حكم الشرع فهو تزوير وخيانة لله ورسوله وجماعة المسلمين. وكأن لم يعلم هؤلاء أن من
يتبع وينفذ أمر الطواغيت هو جزء من النظام الطاغوتي، سواء كان هذا المنفذ ضابطاً
في الأمن أو في الجيش أو مفتياً أو إعلاميًا أو يضع المناهج التي تخدم النظام أو يدرسها أو يجبي له
المكوس أو من يخدمه في أي خدمة كانت صغرت أو كبرت, ومن يقاتل تحت راية الطاغوت, أو
يدافع عنها بالكلام أو السنان أو التحسين أو التبرير هو جزء من النظام الطاغوني
والطائفة الممتنعة.
فإن
لم تعد السياسة إلى الدين وتتقيد بتوجيهاته، ويتسلم العلماء العاملين دفة التوجيه،
فستبقى الأمة في خلل فظيع؛ إذ لا حق والحاجة تدعو إلى توضيح المهمة الرئيسة
للرسالة:
فأصل
رسالة الأنبياء الكفر بالطاغوت, واجتناب الكفار والبراء منهم, والإيمان بالله والولاء
للمؤمنين ، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ
الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة:
٢٥٦
وقال
تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ
عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ ) النحل: ٣٦
عن
بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِنَّ
لِأَصَابِعِ يَدَيْهِ، أَلَّا آتِيَكَ، وَلَا آتِيَ دِينَكَ، وَإِنِّي كُنْتُ
امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا، إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ،
وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا بَعَثَكَ رَبُّكَ
إِلَيْنَا؟ قَالَ: «بِالْإِسْلَامِ» قَالَ: قُلْتُ وَمَا آيَاتُ الْإِسْلَامِ؟
قَالَ: " أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَتَخَلَّيْتُ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، كُلُّ مُسْلِمٍ
عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا، أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ
إِلَى الْمُسْلِمِينَ "([2]).
وعَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّ عُرَى الْإِسْلَامِ أَوْثَقُ؟»، قَالُوا:
الصَّلَاةُ، قَالَ: «حَسَنَةٌ، وَمَا هِيَ بِهَا؟» قَالُوا: الزَّكَاةُ، قَالَ:
«حَسَنَةٌ، وَمَا هِيَ بِهَا؟» قَالُوا: صِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ: «حَسَنٌ، وَمَا
هُوَ بِهِ؟» قَالُوا: الْحَجُّ، قَالَ: «حَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِهِ؟» قَالُوا:
الْجِهَادُ، قَالَ: «حَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِهِ؟» قَالَ: «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى
الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ»([3]).
والذي
يبدو واضحًا أن كثيرًا من الدعوات تريد صرف الأنظار عن الطواغيت والكفار وأهل
الضلال, وتمييع الولاء والبراء, والمزج بين الحق والباطل, والالتقاء مع الماسونية
على ما يسمونه المشترك الإنساني... الخ, وتتناسى هذه الدعوات أن أصل الدين هو
إخلاص العبودية لله، ولا يكون ذلك إلا بالكفر بالطاغوت, فقد بدأت كلمة التوحيد
بالنفي (لا إله) وتعني الكفر بالطاغوت, ثم (إلا الله) وتعني الإيمان بالله.
ومن هذا الدين الذي أصله إخلاص العبودية لله,
والكفر بالطاغوت؛ الأخلاق الحميدة, والرأفة بالمسلمين, والتسامح مع المؤمنين ولين
الجانب لهم, والغلظة على الكافرين ومجاهدتهم, والالتقاء على أساس العقيدة وليس على
الأهواء والمواطنة والمشترك الإنساني, وليس من الدين منع إنكار المنكر على
الكافرين والمنحرفين والمبتدعين والضالين ابتغاء مرضاتهم, قال تعالى: (لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون كَانُوا لا
يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة:
٧٨ - ٧٩
قال تعالى: (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ
بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
النساء: ١٣٨ - ١٣٩ وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا رأيت أمتي تهاب فلا تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم »([4]).
إننا
بحاجة ماسة إلى الحكمة، وهي وضع الأمور في نصابها، فإطلاق الحرية للمرتدين, والرضا
بهم بل والقبول بأن يمثلونا ليست تسامحًا؛ ولكنه كفر, فما بالك بمن يتعهد
بحمايتهم, وإكرام الكفار ومشاركتهم سياساتهم وبدعهم وشركياتهم !!!. والدعوة إلى
عدم إنكار المنكر هو هزيمة ما بعدها هزيمة، فعلينا أن نضع كل شيء في مكانه، ولا
نخلط الأمور خلطًا تضيع به ومعه أصول الدين ومعالمه, وتتهاوى المسلمات.
وبينما
الحاجة تدعو إلى وجود القاعدة الصلبة التي تفهم الدين فهمًا شاملًا, وتعمل على
تحقيق هذا الفهم, فالواقع يشير إلى أن غالب الجماعات الإسلامية لم ترتق بعد إلى
البدايات في هذا الطريق.
ويندر
أن نجد قاعدة صلبة تفهم الدين الفهم الشامل الكامل؛ عقيدةً وحياةً, ونظامًا ومعاملةً
ودعوةً وجهادًا, واتباعًا للكتاب والسنة وعدم ترك شيء منهما, نعم هناك أفراد وربما
يكونون كثرًا يفهمون الدين فهمًا شاملًا؛ ولكن لم يشكلوا مع بعضهم القاعدة
المطلوبة حتى الآن؛ القاعدة المستعصية على القوة، المستعصية على المؤامرة, المتبعة
غير المبتدعة, المؤتلفة غير المختلفة, المجتمعة غير المتفرقة, التي لا تهدم أصلًا
لتبني فرعًا, الخالصة الولاء لله لا تشوبه شائبة, التي لا تسكت عن انحراف أتباعها
من أجل كسبهم؛ ولو كانوا فاسقين أو ظالمين أو مبتدعة أو مجرمين, هناك خلط عجيب في
فهم الآية{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
[آل عمران: 159] عندما يتخذونها سلمًا للسكوت عن المنكرات, بل الموبقات.
ثم
إن وجد من يفهم الفهم الشامل للدين؛ فلا نجد من يعمل جادًا لتطبيق هذا الفهم,
وتحويله من نظرية إلى واقع, ومن مخطط إلى بناء قائم, ويخرج من دائرة التنظير
وتأليف الكتب وكتابة المقالات؛ ليحول هذا إلى واقع عملي يواجه الشرك, ويقود الأمة
نحو الهدف المنشود.
كما
أن هناك محاولات حثيثة ومستميتة من بعضهم لخلط الفكر الإسلامي بالأفكار الباطلة, كالقومية
والوطنية والاشتراكية والديمقراطية والدولة المدنية والدولة الحديثة والمواطنة والجمهورية
بل والشيعية والليبرالية والعلمانية، هذا الخلط الذي يشوه صورة الإسلام الناصعة,
ربما يلجأ إليه بعضهم نتيجةً لهزيمةٍ نفسيةٍ, أو للإحباط والعجز عن المواصلة,
ومحاولة مسايرة القوى الكافرة وأنظمة الردة, والاستجابة لضغوطها والظهور أمامها
بمظهر الانفتاح والتحرر والتقدمية, ومواكبة النظام العالمي الجديد بطبعته
الأمريكية.
إن
الحاجة لتدعو إلى التميز الكامل وعرض الإسلام وتطبيقه بنقائه وصفائه ووضوحه
وشموله، فإنَّ أي مزج أو خلط بين الأفكار الأرضية والدين السماوي الخاتم، هو جعل أهل الأرض ندًا لله تعالى. تعالى الله
عما يقولون علوًا كبيرا. وهو خلط بين غاية الطيب ومنتهى النقاء والكمال, مع
النهاية في الخبث والدنس, وأي خلط من هذا هو لصالح الخبيث النجس وعلى حساب الدين
النقي الطاهر وقيمه وسموه:
ولا
تسلم الجربا بقرب سليمة **** ولكنما تلك السليمة تجرب
فالصراع
الفكري يتطلب تعزيز الفكر الإسلامي, والعمل على استقلاله وتفرده، فأي خلط سيؤدي
إلى التضليل وتشويه صورة الإسلام من جهة, وشهادة حسن سلوك من المسلمين لتلك
الحركات والأفكار الهدامة المرتدة من جهة أخرى.
وهناك
أطروحات انهزامية يحاول البعض أن يلبسها زورًا ما يسمى ثياب الاعتدال والوسطية
والتعقل, وربما من هنا برزت ظاهرة ما يسمونه أصحابه (بالإسلام المعتدل).
والحق
أن الإسلام هو الإسلام. وتقسيم الإسلام إلى إسلام معتدل وإسلام أصولي وإسلام متشدد
وإسلام بدوي وإسلام حضري وإسلام إرهابي وإسلام مسالم وإسلام وهابي وإسلام مسلح
وإسلام غير مسلح وإسلام مائع وووو...الخ هو خطة ماسونية تهدف إلى الإساءة لهذا
الدين الحنيف الكامل، وتفريق المسلمين, وتقاتلهم فيما بينهم, وكل من يساهم فيها عن
وعي أو غير وعي هو جزء من المؤامرة, وإذا أمعنا النظر بهذه الدعوة ومن وراءها
لوجدناها دعوة تحمل اتجاهين خطيرين مرفوضين:
الاتجاه
الأول: الغمز واللمز من الشباب المجاهد المكابد المصابر, والحركات التي ترفض
التدجين وتريده إسلامًا كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لا كما تريده مراكز
الدراسات (الإنجلوصهيوأمريكية)، ووصف هؤلاء الشباب بالتشدد والتطرف والإرهاب
والتزمت والمناهجة وما شابه، وصف الشباب المسلم بهذا ماهو إلا جزء من المؤامرة, وسَيرٌ
بركب الطواغيت, وترديد لمقولاتهم في الهجوم على الإسلام, والذين يرددون هذا الكلام
مثلهم كمثل الثور الأسود الذي وافق الأسد على أكل الثور الأبيض, ونرجو لهم أن يصحوا
قبل خراب البصرة, وأن يصل إليهم الدواء قبل موت سهراب.
والاتجاه
الثاني: دعوة لقبول هيمنة الفكر الغربي اللاديني العلماني, وما شابه من ضلالات أو
غيرها، وتطويع الإسلام لينسجم مع النظم الجاهلية، وليس لدعوة هذه الجاهليات وعلى
رأسها اللادينية العلمانية للتخلي عن جاهليتهم وضلالاتهم والالتحاق بركب الإسلام،
وهي دعوة ظاهرها ضلال وباطنها تخريب، والواقع يشهد عليها بذلك, فأبرز رموز هذه
الدعوة يقيمون علاقات مع أجهزة أمن أنظمة الكفر والردة, بل مع الحاخامات والبابا, ومن
وراء ذلك المخابرات الأمريكية والموساد والماسونية, وبعضهم يتقوت بأوساخ الكافرين
والمرتدين تحت ذريعة أخذ المساعدات للجهاد!!!. أو تحييد الخصوم, أو طمأنة الغرب
الكافر, أو التعاون مع القوى الإقليمية - أي الأنظمة المرتدة - أو طمأنة طوائف
الردة والزندقة. ..الخ
ويطالبون
بعض المجاهدين المؤتلفين بفك ارتباطهم ببعضهم لإرضاء عيون أصحابهم وصويحباتهم, وأسيادهم
من الاستخبارات العالمية, فيشكلون عن وعي أو غير وعي رأس جسر لقوى الكفر والردة
على ضفة الإسلام, ويزعمون مع هذا أنهم مصلحون, مثلهم كمثل الذي أنزلت فيهم هذه
الآيات {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء:
61، 62]
يا سبحان الله هل لهؤلاء عقول؟ فبينما رسول الله
صلى عليه وسلم يأمرنا بقتل المرتد. عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ،
فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَلَقَتَلْتُهُمْ،
لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ
فَاقْتُلُوهُ»([5]). يقوم
هؤلاء بالبصبصة عند المرتدين وطاعتهم فيما يأمرون؛ لقاء دراهم معدودة ثمن بخس
باعوا أنفسهم وقضيتهم به, وأساءوا للإسلام والمسلمين, بل يقوم بعضهم بالتحالف مع
الطواغيت والأحزاب اللادينية, والالتقاء على المشترك الإنساني والسير بركب
الطواغيت والخضوع لمناهجهم وبرامجهم واحترام قوانينهم، وهل بعد هذا الضلال من
ضلال.!؟ وأي إسلام يبقى بعد هذا؟!! ربما تكون أطلال (مية) أوضح مما بقي من إسلام
لديهم.
لمية
أطلال ببرقة ثهمد *** تلوح كباقي الوشم في
ظاهر اليد
إن
هذا الواقع المؤسف الذي تعيشه بعض الحركات الإسلامية, بل الجهادية ليس؛ بسبب الحرب
الشعواء التي يشنها الأعداء الكفار من مختلف أشكالهم وأنواعهم وصنوفهم على الإسلام,
فالإسلام في تاريخه كله لم يلق مهادنة من جانب أعدائه, بل هي الحرب الضروس من كل
ملل الكفر.
فالكفار
بشتى مللهم كانوا ولا يزالون حربا على الإسلام, حربًا عقدية, حربًا دينية, حربًا
فكرية, حربًا عسكرية, حربًا اقتصادية, حربًا سياسية, وحروبهم متنوعة حسب المكان
والزمان, يطورون أنفسهم وأساليبهم وأسلحتهم
فهم يخططون, ويعدون الدراسات والأبحاث, ويجندون جيوشًا جرارة لهذه الحرب,
وأحدثوا خروقات هائلة في دفاعات الإسلام, فربما أصبح تعيين المفتي, وأستاذ الشريعة,
وشيخ الأزهر, وهيئة كبار العلماء؛ لا تتم مثل هذه التعيينات إلا بعد موافقتهم, بل
ربما هم الذين يعينون. وأصبحت مناهج الكليات الشرعية والأزهر والمدارس لا تقر إلا
بعد موافقتهم, ومن ثم ينوعون أساليب حربهم للإسلام, وللحركات الإسلامية الجهادية
وغير الجهادية؛ ولكن ماذا فعلت الحركات الإسلامية.. إنها تقابل هذه الخطط بأسلوب
واحد هو الأسلوب القديم الذي واجهت به أعداءها أول مرة, والمتطورون منهم يزعمون
أنهم يخططون فيتكلمون كلامًا هو أشبه ما يكون بأحلام اليقظة, ولكن هذه الحركات لم
تقم بدراسة خطط الأعداء المختلفة, ولا أساليبهم الماكرة, ولا قاموا بتقدير الموقف
بشكل صحيح ومدروس, كما أنها لم تقم بالدراسات الشرعية الواعية والعميقة للواقع
الذي تعيشه, وللمنطلقات الشرعية في التصورات والمواقف. إن هذا الأمر جعل الأعداء يطورون
أساليب حربهم وينجحون فيها, بينما الإسلاميون يجمدون, ومن ثم يقعون - وهم يشعرون أو لا يشعرون - في الفخ الذي نصبه
لهم الأعداء... والأمثلة على ذلك كثيرة.
ويصاحب
ذلك أن الأعداء ضغطوا ماديًا وإعلاميًا على الحركات الإسلامية؛ وبأساليب ماكرة
متنوعة, وما اشتهر بمصطلح تجفيف الينابيع الذي ساهمت فيه الحكومات المرتدة الجاثمة
على صدور المسلمين, وأصحاب رؤوس الأموال من المسلمين عندما أطاعوا الحكومات؛
المرتدة بفتوى علماء الطاغوت (وجوب طاعة ولي الأمر) هذا الذي جعل أفق الإسلاميين
يضيق, وثقتهم بربهم وبدينهم وبشريعتهم الكاملة تضعف وتتزعزع, قال الله تعالى: {أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا
إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ
وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } [يوسف: 110] {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ
وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِنْ هَادٍ} [الزمر: 36] ومن ثم ولأسباب على رأسها ضعف الإيمان, وضحالة العلم
الشرعي, وسوء التربية, نتيجة لمناهج التعليم التي فرضها الأعداء, وللركون إلى
الدنيا, وخللًا بينا في أسس اختيار القيادات, أصبحت هذه الحركات تتنازل شيئًا فشيئًا
عن كثير من مبادئها وأهدافها ومنطلقاتها العقائدية, فأصبح أمر العقيدة ليس أساسًا؛
وحل محله التبريرات السياسية والتوسع السطحي لما يسمونه المصلحة والضرورة, فترى
كثيرًا من القيادات يكفر في تصريحاته أو بياناته وعند مراجعته يبتسم باستعلاء فارغ
قائلًا (هذه سياسة) !!! وكأن الكفر مسموح بالسياسة!!!! فلماذا نُكَفِّرُ الشعراء
والحداثيين الحثالة لأنهم ينطقون الكفر في شعرهم؟ ولو قسنا أفعالهم على أفعال
القيادات المنهزمة من الإسلاميين بقولهم سياسة لاستنبط الحداثيون لأنفسهم أن هذا
شعر !!!! فالحداثيون يكفرون والتبرير هذا شعر, والقيادات المتمسلمة تكفر والتبرير
هذا سياسة. وجريمة الحداثيين أقل من جريمة القيادات المتمسلمة. وباب القياس مفتوح,
وهم مجتهدون معاصرون معصورون, يكفرون وعند أتباعهم لهم أجر على كفرهم لأنهم
مجتهدون!!ّ!!. وبالتالي فلا مانع عند أكثرهم من استخدام الأساليب الجاهلية, والطرق
الديمقراطية, ودعاوى العلمانية والليبرالية والدولة الحديثة ورابطة المواطنة,
ودعاوى حماية أهل الردة والزندقة وحقهم في قيادة البلاد؛ كل هذا مسموح بزعمهم لأنه
سياسة, ومن أجل إقامة دولة فيها شيء من أطلال الإسلام في أفكارهم, وعلى الأقل لهم
أجر واحد.!!!!.
إن
هؤلاء ليسوا بأحسن حالًا من الذين يضعون الأحاديث في فضائل الإسلام وما شابه فإذا
راجعتهم وقلت لهم لما تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد جاء في الحديث
المتواتر : «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»([6]). جبهوك
بقولهم لا نكذب على رسول الله ولكن نكذب له, فيطلبون الأجر!!! وهؤلاء يكفرون من
أجل الإسلام بزعمهم ويطلبون الأجر!!!!.
لقد
تكونت قناعة عند بعض الانهزاميين الإسلاميين
كما قال السادات الهالك: إن الأمر كله بيد أمريكا - تعالى الله عما يقول الكافرون
علوًا كبيرا-, وأنه دون موافقة أمريكا لا يمكن عمل شيء!!, ولا بد من تقديم خدمة
للإسلام وعمل شيء ما, وأن ما لا يدرك جله لا يترك كله, فإذا كان إقامة الدولة
الإسلامية متعذرًا أو شبه متعذر _اليوم_ بزعمهم فالأولى أن نبحث عن بديل لذلك نخدم
به الإسلام, وليكن ذلك حكومة (علمانسلامية) أو (ليبراسلامية) أو (كفراسلامية) وبالتحالف
مع الكافرين والمرتدين والزنادقة, بل بقيادتهم, لأن هؤلاء الكفار على صلة بمراكز
الكفر والقرار العالمي, وأنه لا يمكن ذلك إلا برضا الكفر الدولي, فلنقدم ما يريد
هؤلاء من تنازلات, وبدأت شعارات قبول الآخر؛ إي قبول الكافر تطفوا على السطح,
وشعارات المواطنة والتعددية وحرية الردة وحماية
طوائف الردة إلى ما لانهاية من شعارت الكفر والردة .....الخ. متخذين من قول هالكة (كل
الناس حلوين) شعارًا لهم أولئك {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] أولئك
من أتى بنيان الإسلام من القواعد بدؤوا يتنازلون عن أشياء هي في أعينهم أدق من
الشعر وهي من المبادئ والعقائد ويصح فيهم ما قاله أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ
أَعْمَالًا هِيَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ إِنْ كُنَّا
لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُوبِقَاتِ([7]).
ويُستدرجون رويدًا رويدًا, حتى إذا صاروا وسط لجة الانحراف والضلال؛ لا يملكون
عودة فيصبح لامناص أمامهم من التأصيل للضلال, والتقعيد للانحراف, فيصبح الضلال
منهجًا, والانحراف سمتًا, وموالاة الكفار دينًا وخلقًا, والتمسك بما أنزل الله
وبما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزمتًا وتشددًا ورجعية وإرهابًا !!!.
ولا
يجوز بأي حال من الأحوال تقديم التنازلات لإرضاء الكفار, يذهب أحدهم ويجري مقابلة
مع قناة فضائية, ويدفعون لها مالا لتجري المقابلة, وفي المقابلة يتكلم بالكفر
البواح الصراح, ثم يدافع عنه أتباعه بأنه مضطر! عجيبة والله هذه القيادات والأعجب
منها الرعاع الهمل الأتباع!. إن المبادئ والعقائد ليست بضاعة للمساومة, ولا تقبل
التنازلات والتفاوض, ولكن هناك خلائق تتنازل عن العقائد مجانًا, فقط حتى تكون في
أعين الكفار والمرتدين تقدمية انفتاحية ناعمة رقيقة متأنثة مستأنسه, ويوم يلتقي
بهم أحد جنود الكفر ويسلم عليهم في فندق خمس نجوم في إحد العواصم؛ يعتبرون هذا
اليوم عيدًا ويبقون أشهرًا يتمتعون بفخر اللقاء ويجترونه ويعيشون على ذكراه, وينظرون
في أيديهم التي تنازل الكافر لملامستها ومصافحتهم, ينظرون إلى هذا الفخر. لامست
أيديهم يد ضابط المخابرات الفلاني أو المندوب العلاني...ولو استطاعوا للفوا أيديهم
بالبلاستك لتبقى رائحة الكفر أكثر لخ.
إن القيادات يجب أن تقدم المثل الأعلى في الصمود
والشموخ والاعتزاز بالدين.
ولست
أبالي حين أقتل مسلمًا *** على أي جنب كان في الله مصرعي.
ومن
لم يستطع فليتخل عن المهمة وليسعه بيته أو خدره, ولا يكن رأس جسر يمر عليه الكافرون
ليخترقوا دفاعات الإسلام.
عن
ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ
وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: " أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ إِلَى مَلِكٍ يَفْتِنُ
النَّاسَ عَلَى أَكْلِ لُحُومِ الْخَنَازِيرِ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ أَعْظَمَ
النَّاسُ مَكَانَهُ، وَهَالَهُمْ أَمْرُهُ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ شُرْطَةِ
الْمَلِكِ: ائْتِنِي بِجَدْيٍ تُزَكِّيهِ مِمَّا تَذْبَحُهُ، يَحِلُّ لَكَ
أَكْلُهُ، فَأَعْطِنِيهِ، فَإِنْ دَعَا بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَتَيْتُكَ بِهِ،
فَكُلْهُ، فَذَبَحَ جَدْيًا فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْمَلِكُ،
فَدَعَا بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَأَتَاهُ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ بِلَحْمِ الْجَدْيِ
الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَمَرَهُ الْمَلِكُ بِأَكْلِهِ، فَأَبَى،
فَجَعَلَ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ يَغْمِزُ إِلَيْهِ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَأْكُلَهُ،
وَيُرِيهِ أَنَّ اللَّحْمَ الَّذِي دَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ،
فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ صَاحِبَ الشُّرْطَةِ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ
بِهِ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ وَهُوَ اللَّحْمُ الَّذِي دَفَعْتَ
إِلَيَّ؟ أَظَنَنْتَ أَنِّي أَتَيْتُكَ بِغَيْرِهِ؟ قَالَ: لَا قَدْ عَلِمْتُ
أَنَّهُ هُوَ، وَلَكِنِّي خِفْتُ أَنْ يُفْتَتَنَ النَّاسُ بِي، فَإِذَا أُرِيدَ
أَحَدُهُمْ عَلَى أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، قَالَ: قَدْ أَكَلَهُ فُلَانٌ،
فَيُسْتَنَّ بِي، فَأَكُونَ فِتْنَةً لَهُمْ، فَقُتِلَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ
"([8]).
وواقعنا
المأساوي حقيقة هو من عند أنفسنا قال الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ
مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165] وقال
الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ومن عدم أخذ الدين بقوة, عدم تمثل العقيدة
وحياتها حياة حقيقية, وعدم الوضوح في التصورات والمنطلقات والأهداف الذي تعيشه
كثير من هذه الحركات؛ بل ربما من عدم تصديق الله والثقة به التصديق الحقيقي
اليقيني الكامل الفاعل الذي يبنى عليه عمل ويغير فكر ومسار المصدق.
[1] - مسند أحمد ط
الرسالة (21/ 25) (رقم) 13298
[2] - سنن النسائي (5/ 82) 2568 [حكم الألباني] حسن
[4] - المستدرك على الصحيحين للحاكم - (16 / 358) حديث رقم 7136 –وقال: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه » وعلق عليه الذهبي بالتلخيص وقال: صحيح.
[5] - صحيح البخاري
(9/ 15) 6922
[6] - صحيح البخاري (1/ 33) 107
[8] - الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 515)
1466
0 التعليقات:
إرسال تعليق