الإرهاب بين الحقيقة والتشويه
رضوان
محمود نموس (أبو فراس)
سئل الشيخ
ابن باز السؤال الأتي:
[كثيرا ما
نسمع عن مصطلحات مثل الإرهاب والتطرف، ويتكلم في ذلك من هب ودب، فما هو المعيار
لصحيح لذلك، أي المعنى لهذه المصطلحات، أو بمعنى آخر متى يكون الرجل إرهابيا أو
متطرفا؟
الجواب: التطرف
الأخذ بالرخص التي لا وجه لها، ولا دليل عليها، والإرهاب كونه يتعدى على الناس
بالضرب أو بالقتل بغير حق، بغير دليل، بل على جهل وقلة بصيرة، هم الإرهابيون،
الذين يقتلون الناس بغير حق وبغير حجة شرعية، فيغيرون على الناس أمنهم، ويسببون
المشاكل بينهم وبين دولهم، هؤلاء هم الإرهابيون]([1]).
وكلام هذا
العالم يفتقر إلى الدقة والفهم, ولم يوفق في الإجابة وهذا ما سنبينه بعون الله:
وردت الكلمات
المشتقة من جذر (رهب) اثنا عشر مرة في القرآن منها أربع مرات تتعلق بالخوف من الله
تعالى وهي:
قال تعالى: { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ
بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]
وقال الله تعالى: {هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ
هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154]
وقال تعالى: {وَقَالَ
اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ
فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51]
وقال الله
تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:
90].
ومنها أربعة
تتعلق بالرهبان:
قال تعالى: {ذَلِكَ
بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}
[المائدة: 82].
وقال الله
تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
} [التوبة: 31].
وقال تعالى:
{إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [التوبة: 34].
وقال الله
تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا } [الحديد: 27].
ومها أربعة
تتعلق بخوف الناس :
قال تعالى: {فَلَمَّا
أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ
عَظِيمٍ } [الأعراف: 116].
وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ
اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ
إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
وقال الله
تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} [القصص: 32].
وقال تعالى:
{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ
اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الحشر: 13].
وجاءت
الكلمات المشتقة من جذر رهب في السنة كذلك:
عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا
أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ
وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي
إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ .. ([2]).
ولغة قال في
النهاية في غريب الحديث: رهب :حديث الدعاء رَغبةً ورَهْبةً إليك الرَّهبة الخَوفُ
والفَزَع([3]).
وقال في اللسان: [رهب: رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ
رَهْبَةً ورُهْبًا، بالضم، ورَهَبًَا، بالتحريك، أَي خافَ. ورَهِبَ الشيءَ رَهْبًا
ورَهَبًا ورَهْبةً: خافَه. والاسم: الرُّهْبُ، و الرُّهْبى، و الرَّهَبوتُ، و
الرَّهَبُوتي؛ ورَجلٌ رَهَبُوتٌ. يقال: رَهَبُوتٌ خَيرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، أَي لأَن
تُرْهَبَ خَيرٌ من أَنْ تُرْحَمَ.]([4]).
وأقوال العلماء
قال القرطبي
في تفسيره: [ ترهبون به عدو الله وعدوكم
يعني تخيفون به عدو الله و عدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب وآخرين من دونهم
يعني فارس والروم قاله السدي وقيل الجن وهو اختيار الطبري وقيل المراد بذلك كل من
لا تعرف عداوته قال السهيلي قيل هم قريظة وقيل هم من الجن ذلك ولا ينبغي أن يقال
فيهم شيء لأن الله سبحانه قال وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم فكيف يدعي
أحد علما بهم إلا أن يصح حديث جاء في ذلك عن رسول الله ]([5]).
وقال الطبري:
[ القول في تأويل قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون
به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في
سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون يقول تعالى ذكره وأعدوا لهؤلاء الذين كفروا
بربهم الذين بينكم وبينهم عهد إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيها المؤمنون بالله ورسوله
ما استطعتم من قوة يقول ما أطقتم أن تعدوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم
من السلاح والخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم يقول تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله
وعدوكم من المشركين]([6]).
وبهذا القول
قال المفسرون والعلماء.
أما في
الاصطلاح السياسي: فلقد جاء في الموسوعة السياسية :[ الإرهاب استخدام العنف غير
القانوني بإشكاله المختلفة، كالاغتيال والتشويه والتعذيب، والتخريب والنسف، بغية
تحقيق هدف سياسي معين، مثل كسر روح المقاومة والالتزام عند الأفراد، وهدم
المعنويات... والإرهاب وسيلة تلجأ إليها بعض الحركات الثورية كما تستخدمها بعض
الحكومات... وتنظر الحركات التحريرية والثورية الرئيسية في العالم إلى الكفاح
الشعبي المسلح ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي على أساس أنه وسيلة مشروعة، وسليمة،
لمقاومة العدوان وتحقيق مبدأ تقرير المصير ]([7]).
وجاء في
القاموس السياسي :[ إرهاب : محاولة نشر الذعر والفزع لأغراض سياسية، والإرهاب
وسيلة تستخدمها حكومة استبدادية لإرغام الشعب على الخضوع والاستسلام لها ]([8]).
وجاء في
موسوعة المورد :[ الإرهاب : اصطناع العنف من مثل القتل والخطف وإلقاء القنابل
تحقيقا لغرض غير نبيل عادة، ومن أجل ذلك اعتبرت صفة الإرهابية سبة ووصمة شنعاء،
ولكن الملاحظ في يوم الناس هذا أن الوطنيين المناضلين من أجل طرد المحتل الأجنبي
أو استرداد الوطن السليب كثيرا ما يرمون بالإرهاب ظلما وبهتانا وتلك شنشنة إسرائيلية
ينبغي تعريفها وفضحها]([9]).
وبهذا يتضح
أن تعريف هذا العالم وأمثاله للإرهاب: لا الشرع أصاب, ولا وفق لغة العرب أجاب, ولا
في السياسة أحسن الخطاب.
إنما تعريفه
جاء موافقا للمقاييس والرغبة الأمريكية، التي أملتها أمريكا على ولي أمره، ثم
بدوره أملاها على الأجراء والموظفين، بدرجة عالم, ووضع الشريط في بطن العلماء
فتكلموا كأي مسجل لا ينطق إلا بما يريده صاحبه؛ الذي يهتدي بهدي فرعون ويقتفي أثره
حيث وصفه الله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا
أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]
بل لقد كان
أصحاب الموسوعات والقواميس السياسية على علمانية أكثرهم؛ أكثر واقعيةً واحترامًا
للحقائق من هؤلاء العلماء الرسميين الذين هم أداة من أدوات الأنظمة، وجزء من
الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشرائع؛ حيث يعملون في مؤسسة سيادية في هذه الطوائف.
وحسب تعريف
السياسيين: فإن الإرهاب في غالبه يكون من الحكومات المستبدة، وإذا وصم به الشباب
المجاهد فيكون ظلما وفي غير محله، وأن تحرير البلاد من المحتل ليس إرهابا بل
الإرهاب هو إرغام الشعب من قبل الحكومة وإخضاعه لإرادة الحاكم العميل المستبد
الظالم الغاشم.
وبهذا يتبين
أن للإرهاب أشكال فمنه الممدوح: وهو إرهاب الكفار وعملائهم وأجرائهم وموظفيهم,
وآخرين من دونهم وهو ما يقوم به الشباب المؤمن المجاهد جزاهم الله عن المسلمين كل
خير لما يقومون به؛ من إرهاب أمريكا والصليبيين, ويهود والمجوس ومن يواليهم ويسير
في ركبهم كالحكومات العربية وأضرابها, ومنه إرهاب مذموم مثل إرهاب المسلمين
وترويعهم, واقتحام بيوتهم, وتهديدهم وسجنهم, وتشويه سمعتهم, وتدمير مساجدهم, وخطف
أبنائهم وبناتهم, وسرقة أموالهم, وتعذيبهم وقتلهم, وهو ما تقوم به الحكومات وخاصة
الحكومة السورية العميلة المرتدة المتصهينة وأجرائها وأعوانها ومن يدعمها ومن كان
على شاكلتهم. ومن هذه تالحكومات حكومة ولي أمر الشيخ الذي أفتى بهذه الفتوى.
وابن باز
وغيره من العلماء والذي يقول في هذه الفتوى:[ ويسببون المشاكل بينهم وبين دولهم،
هؤلاء هم الإرهابيون]
يعلم أن هذه
الحكومات كافرة مرتدة توالي الكفار, وتمنحهم قواعد وتقاتل المسلمين مع الكافرين, وتطبق
القوانين الوضعية وتحكم بغير ما أنزل الله, وهذه فتواه نفسه بمن يحكم بغير ما أنزل
الله:
قال عبد العزيز بن عبد الله بن باز: [
من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحلًا للحكم بها سواء اعتقد أن الشريعة أفضل
أم لم يعتقد ذلك فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفرًا أكبر لأنه باستحلاله الحكم
بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحلًا لما علم من الدين بالضرورة
أنه محرم ] ([10]).
وفي ردِّه على دعاة القومية العربية
قال: [ الوجه الرابع من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن
يقال إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن
لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا بتحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن
يتخذوا أحكامًا وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام
وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة
السافرة.
- ثم سرد الآيات المتعلقة بذلك - وقال:
وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم لله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة
بنص هذه الآيات المحكمات يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله وتحرم عليهم
مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده وتحكم شريعته كما قال عز وجل ) قد كانت لكم أسوة حسنة(... إلى قوله تعالى: )حتى تؤمنوا بالله
وحده (الممتحنة
] ([11]).
وقال: [ فلا انفصال في الإسلام بين
الدين والسياسة والله سبحانه هو المعبود وهو رب الناس في جميع شؤونهم له الخلق
والأمر سبحانه وتعالى فلا يكون الخلق له والأمر لغيره، وإن الذين يفصلون بين الدين
والسياسة يموهون على الجهلة بما ليس في الإسلام في شيء فمن الباطل والظلم أن يحذر
من تديين السياسة أو تسييس الدين كما يقولون إذ لا تستقيم أمور العباد إلا إذا
اتجهوا إلى الله سبحانه في كل شيء واستمدوا الأحكام من وحيه الذي أنزله على رسوله
وخضعوا له خضوعًا كاملًا في أمور دينهم ودنياهم وساسوا عباده بشريعته في الداخل
والخارج فذلك مقتضى عبوديتهم له وبراءتهم من عبودية ما سواه ] ([12]).
وقال: في مقال ثم طبع في رسالة باسم
وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.
[ فصل: إذا علم أن التحاكم إلى شرع الله
من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله ؛ فإن التحاكم إلى
الطواغيت، والرؤساء والعرافين ونحوهم ينافي الإيمان بالله عز وجل، وهو كفر وظلم
وفسق، يقول الله تعالى: ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( ويقول )... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ( ويقول: )... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (
- ثم ساق أدلة كثيرة وفصل تفصيلًا وافيًا يراجعه
من أحب إلى أن قال: -
ومما تقدم يتبين لك أيها المسلم، أن
تحكيم شرع الله، والتحاكم إليه مما أوجبه الله ورسوله، وأنه مقتضى العبودية لله،
والشهادة بالرسالة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن الإعراض عن ذلك أو شيء منه؛
موجب لعذاب الله وعقابه، وهذا الأمر سواء بالنسبة لما تعامل به الدول رعيتها، أو
ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل مكان وزمان، وفي حال الاختلاف والتنازع
الخاص والعام، سواء كان بين دولة وأخرى، أو بين جماعة وجماعة أو بين مسلم وآخر،
الحكم في ذلك كله سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر، وهو أحكم الحاكمين، ولا
إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثلها
وتشابهها، أو تركها وأحل محلها الأحكام الوضعية، والأنظمة البشرية، وإن كان معتقدًا
أن أحكام الله خير وأكمل وأعدل.. ] ([13]).
وإذا كانت هذه الحكومات كافرة لأنها لا
تحكم بما أنزل الله؛ فإرهابها واجب فما بال الشيخ يتخبط في الفتوى ويرضى أن يكون
بهذا المقام مذيعًا لما يريده الطاغوت!!!
قال الله
تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ
دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [الأنفال:
60]
يَأْمُرُ
اللهُ المُسْلِمِينَ باِلاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ، وَبِإِعْدَادِ آلاتِهَا
لِمُقَاتَلَةِ الكُفَّارِ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالاسْتِطَاعَةِ وقال: من قوة مطلقة
لتتناسب مع كل زمان ومكان فكُلَّ مَا
يَدْخُلُ تحت اسم القُوَّةِ التِي تُمَكِّنُ الأُمَّةَ وَذَلِكَ لإِرْهَابِ
الكُفَّارِ - وهذا يشمل كل الكفار لأن الكافرين كلهم أعداء لله أعداء للمؤمنين,
قال الله تعالى: { إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا }
[النساء: 101] وقال الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}
[البقرة: 98] وأمرنا الله أن نرهب هؤلاء الأعداء وآخرين من دونهم, وغالب قول العلماء يقصد بهم
أهل النفاق مِمَّنْ لاَ يَعْلَمُهُمْ رَسُولُ اللهِ وَالمُسْلِمُونَ، وَلَكِنَّ
اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُهُمْ.
كذلك يشير
النص إلى الغرض الأول من إعداد القوة: «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ
يَعْلَمُهُمْ» فهو إلقاء الرعب والرهبة في قلوب أعداء الله الذين هم أعداء العصبة
المسلمة في الأرض, الظاهرين منهم الذين يعلمهم المسلمون ومن وراءهم ممن لا
يعرفونهم، أو لم يجهروا لهم بالعداوة، والله يعلم سرائرهم وحقائقهم, وهؤلاء ترهبهم
قوة الإسلام ولو لم تمتد بالفعل إليهم, والمسلمون مكلفون أن يكونوا أقوياء، إرهابيون
مرهوبي الجانب’, وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض,
ولتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدين كله لله.
فإرهاب
الكفار ومن ورائهم واجب شرعي بنص هذه الآية، لأن الأمر يقتضي الوجوب ومن أنكر ذلك فيندرج
تحت قوله تعالى: {وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون}، والجحد هو الإنكار والتكذيب،
قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ
بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [الأنعام: 21] وقال الله تعالى: {فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ
يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ}
[الأنعام: 157] وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ
كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ } [يونس:
17] ، فمن قال أن الإسلام لا يقر الإرهاب ولا يرضى به والإرهاب ليس من الإسلام وما
شابه هذه الأقوال فقد حادَّ الله في أمره وقال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ
خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 63] وقال الله تعالى: {
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ
مُهِينٌ} [المجادلة: 5] وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا
وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 20، 21]
وبهذا نعلم
أن الذين يريدون تبرئة الإسلام من الإرهاب يصدق عليهم قوله تعالى: {قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 103 -
105] بل يريدون أن يبدلوا كلام الله؛ إرضاءً للكفر وأنظمة الردة, ومن يريد أن
يحارب الإرهاب الإسلامي فإن كان من الكفار فهذا ديدنهم, وإن كان ممن يحسبون أنفسهم
من المسلمين فقد جعلوا من أنفسهم ظهيرًا للكافرين, ومعينين لهم, فهم التحقوا بهم
وصاروا منهم, فهم على الحقيقة إنما يحاربون الإسلام، وأن مكافحة الإرهاب تعني
مكافحة الإسلام، وإنما هم يلبسون الحقائق على الجهلة.
وما دام أن
الذي أعلن الحرب على الإرهاب إنما هي أمريكا زعيمة محور الكفر فإرهابها واجب، فكيف
وقد جمعت مع الكفر محاربة المسلمين ومطاردتهم واحتلال بلادهم ونهب ثرواتهم, وحشدت
معها كل أنظمة الردة وعلماء الطواغيت, فسخروا أبناء الإسلام وضللوهم لحرب الإسلام.
وإن تعجب فالعجب
ممن يسمون أنفسهم علماء أو كبار العلماء أو مفتي الجمهورية والمملكة والإمارة
والسلطنة وما هو إلا موظف لتبرير جرائم طاغوته, ومن ورائه التبرير لأعداء الله وأعداء
الإسلام حربهم على الدين.
أما المساكين
من الناس والجهلة فقد سمعوا قولًا ممن ضخمته ألة الطواغيت الإعلامية حتى غدا وثنًا؛
يقول فيسمع لقوله, يزور توقيع الله فيفتي بما يريده الطاغوت, ويقول هذا حكم الله؛
فالفتوى هي حكم الشرع.
وحال
المفتونين بأقوال علماء الطاغوت كحال الببغاء الذي قيل فيه:
أثر البهتان
فيه *** وانطلى الزور عليه
ياله من
ببغاء *** عقله في أذنيه
وحكومات
علماء الطواغيت تنصر أمريكا وحلفاءها بحروبهم على الإسلام في كل أنحاء العالم, وما
الشام عنا ببعيد, وما التحالف الغربي الذي يشترك فيه عدة دول من أنظمة الردة التي
يبرر لها علماء الطاغوت أفعالها بل يقوم عالم من علماء الطاغوت ولي أمر هذا
المفتي, بتوديع الطيارين الذين جاؤوا لخدمة أمريكا وضرب المسلمين في الشام, فما
هذا التحالف عنا بإبعد. ونصرة الكافرين ولاء قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا
دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ
فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ
الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا
خَاسِرِينَ (53) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ
دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة: 51 - 57]
ومظاهرة
الكفار ردة عن دين الله
قال الله
تعالى: { فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ } [القصص: 86]
وقال الله
تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا
لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17]
قال الإمام
ابن تيمية: [بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ]
[وَالْمُرْتَدُّ
مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَانَ مُبْغِضًا لِلرَّسُولِ وَلِمَا
جَاءَ بِهِ أَوْ تَرَكَ إنْكَارَ مُنْكَرٍ بِقَلْبِهِ أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّ
أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ أَوْ تَابِعِيهِمْ قَاتَلَ مَعَ
الْكُفَّارِ أَوْ أَجَازَ ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا
قَطْعِيًّا أَوْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ يَتَوَكَّلُ
عَلَيْهِمْ وَيَدْعُوهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ وَمَنْ شَكَّ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ
اللَّهِ تَعَالَى وَمِثْلُهُ لَا يَجْهَلُهَا فَمُرْتَدٌّ]([14]).
قال ابن حجر
الهيتمي وهو يعدد أفعال الردة: ...[ أو يسجد لنحو شمس أو يأتي بفعل أو قول صريح في
الاستهزاء أو توهم أن من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم من قاتل مع الكفار أو
أجاز ذلك، قيل: أو كذب على نبي، أو أصر في دارنا على خمر أو خنزير غير مستحل ...]([15])
وقال عبد
اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ [وعندما عرف الفقهاء المرتد، قالوا المرتد: من أشرك
بالله تعالى، أو كان مبغضًا للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به، أو ترك إنكار
منكر بقلبه، أو توهم أن أحدًا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار،
أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًا، أو جعل بينه وبين الله وسائط
يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم...]([16]).
فكل من نصر
الكفار على كفرهم أو على المسلمين فهو كافر، ويترتب على هذا كفر الحكام الذين
يزعمون أنهم مسلمون, وهذا الحكم يلحق كل من يقرهم ويبرر لهم ويحسن أعمالهم أو يرضى
عنها ...الخ.
والبلاد التي تزعم أنها إسلامية و تجرها
أمريكا للتحالف لضرب من تريد أمريكا أن تضربهم؛ أنها دول غير إسلامية من قبل
لحكمها بغير ما أنزل الله، ويجب الخروج عليها وإرهابها, وخلع حكامها وقتلهم, ونصب
حكام مسلمين فيها، كما في الحديث المتفق عليه: (وألا ننازع الأمر أهله)، قال صلى
الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)، فيجب على كل
مسلم أن يسعى في ذلك، فمن سعى فله الأجر، ومن قعد فعليه الوزر - إلا أصحاب الأعذار
الشريعة - ومن رضي بهم فهو منهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق