هذه تجربتي وهذه
شهادتي للشيخ سعيد حوى الحلقة الثامنة
الفصل الثاني عشر :
في التعريف على قيادة ما قبل الوفاق.
كان هناك قيادة
للإخوان المسلمين داخل سورية قبل خروجي من السجن, وكان من أعضائها علي البيانوني,
وعبد الله الطنطاوي ومحمد الحسناوي, ورياض جعمور, وأديب الجاجي, وعبد الملك علي,
وجاءت ضربة الأخوان على إثر اعتقال رياض جعمور, وكان عبد الملك علي وعلي البيانوني
خارج سورية, واستطاع أديب الجاجي ومحمد الحسناوي أن يخرجا من سورية, وقد بلغنا نبأ
اعتقال عبد الله الطنطاوي ونحن في باريس, وصادف أن ضاعت محفظة علي البيانوني يوم
وصولنا إلى باريس, وفيها بعض التبرعات وأشياء أخرى, وكان تعليقي على هذا أن الله
أراد أن يعطي علي البيانوني درسا, فأضاع له محفظته يوم دخوله باريس, ومحفظة أخرى
يوم خروجه منها, ليخفف من تدقيقه ومحاسبته لإخوانه.
شكل أبو عامر, عدنان
سعد الدين القيادة من علي البيانوني نائبا للمراقب العام, ومن أديب الجاجي أمينا
عاما, ومن محمد الحسناوي وأحمد جمال وأبي زياد وعبد الملك علي وسعيد حوى, واتفق
على أن يكون مقر القيادة هذه في عمان, وبدأ الأعضاء الموجودون في عمان يديرون
العمل من الصفر, لم يكن هناك مال, ولا تسهيلات, ولا خدمات, فلقد بقي أخونا أبو
زياد حوىلي الستة أشهر دون أن يستطيع أن يقدم له مساعدة في ختم على بعض أوراقه,
وكانت الخيوط مقطعة, وبدأ عمل متواصل بفضل الله, وأنجزنا الكثير, وفي أول قدوم
لأبي عامر إلى عمان قدمت استقالتي لأن الأصل عندي عدم المشاركة في الإداريات, وكان
الشيخ أبو غدة قد حذر أبو عامر من كثرة طروحاتي, لذلك مال أبو عامر لقبول
الاستقالة, لكن كان هناك عقبات, فأجل الموضوع, وحمل أبو عامر في جلستنا الأولى على
بعض الأخوة حملة شديدة, فنصحته أمام الأخوة في القيادة أن هذا مما لا ينبغي, وكنت
أعرف شدة أبي عامر في التجريح, ادعى علي البيانوني فيما بعد أنه غضب غضبا شديدا
بسبب هذا الحادث, ولقد حاول الإيقاع بيني وبين أبي عامر أكثر من مرة, بنقل مثل هذه
الأحاديث, وكان بعضها صحيحا وبعضها حمله أكثر مما يحتمل.
بدأنا العمل : أديب
الجاجي ومحمد الحسناوي وأحمد جمال وسعيد وعبد الملك وأبو زياد, وقد
أنجز هؤلاء الأخوة مرحلة التأسيس الجديد للعمل, ثم جاء علي البيانوني فشارك, ومن
البدء شعرت بخطورة أسلوب الرجل في العمل, فقد كان إما لتوجيه أو لطبيعة يركز كل
شيء في يده, كما أنه يتعامل مع بعض الناس بنوع من الخشونة والفظاظة, ولم أكن أقبل
هذا وهذا, ولذلك حدث نوع من الصدام المبطن بيني وبينه من أجل إقامتي, فقد بحثنا
هذا الأمر, واتخذ قرار لا يناسب وضعي الصحي, ولا يناسب عيالي وهم محبوسون في
البيت, في بلد الغربة, لذلك رغبت إلى الأخوة أن يعيدوا بحث الأمر فأجاب بفظاظة أنه
قد اتخذ فيه قرار, فانفجرت عليه, وادعى فيما بعد أنني قلت له في هذه الجلسة : أنني
لا أطيع والدي, ذكر هذا في معرض حملته علي أمام مجلس الشورى, الذي انعقد بعد أحداث
حماة, وبسرعة البرق شهد الحسناوي على ذلك, مما أشعرني أنهما متفاهمان على ما يقوله
البيانوني, ولم يكن من عادتي أن أذكر الوالد بمثل ما قال, ولا أتذكر أنني قلت هذه
الكلمة, ولقد جرحني بهذه الدعوى كثيرا, وحسيبه الله.
ومع وصفه هذا فقد كنت
أرى أن كل شيء متوقف على وحدة القيادة, لذلك كنت أحاول أن أطوي كل شيء لصالح هذا
الهدف, ولقد قدم استقالته بعد المجيء الثاني لأبي عامر إلى عمان, وأصر عليها
وجعلني أنا السبب, مع أن السبب المباشر مما ادعاه من أن أبا عامر مس الشيخ عبد
الفتاح في جلسة, والقصة كانت على الشكل التالي.
كان الشيخ عبد الفتاح
يرى أننا قد تورطنا في قرار المواجهة, وراسل أبا عامر من أجل إعادة النظر في
القرار, وفي هذه الأجواء طرح بعض الأخوة اسمه ليكون قائدا للثورة ورمزا لها, وقد
عارضت ذلك في حينه, لأنه لم يكن مقتنعا بالثورة أصلا, وفي هذا الجو قرأ أبو عامر
رسالته, فثار البيانوني ثورة عاصفة على أبي عامر في أول جلسة, وقدم استقالته
بحجتي, ونصحت أبا عامر ألا يقبل الاستقالة, لأن الوضع لا يحتمل ذلك, وكان أن سويت
الأمور, ولقد قدم استقالته أكثر من مرة بسببي, وأعلن في موقف أنه يقدم استقالته من
الأخوان أصلا, لأن وجوده في جماعة فيها الشيخ سعيد حوى يعتبره إثما, وفي الفترات
الأخيرة ندرت جلسة إلا ويقدم استقالته أو يهاجم الآخرين, وخاصة بعد أن خرج من يده
الجهاز العسكري, فهذا الذي لم يستطع تحمله أبدا, ومع أنه قدم استقالته مرات فإنه
اتهمني فيما بعد أنني كنت أفرض رأيي على القيادة من خلال فكرة الاستقالة.
لقد كانت سلبيات
الرجل أنه فظ, ومركزي, ولا ينطلق في البناء من خلال نظرية واضحة المعالم, ويسير
بحكم الاستمرار دون توقف للتقييم, ويصعب عليه في بعض الأوقات أن يقبل الفكرة
الصالحة من غيره.
وخاصة أمام الأجهزة
التي يديرها, وكان بالإمكان من خلال موقف مزاجي أن يحطم كل شيء.
أما إيجابياته فقدرة
على العمل كبيرة, تقتلها مركزيته, فقد أصبح في وضع لا يستطيع أن يقوم بأدنى
الواجبات, لقد بقي أحد الأخوة, العاملين في الخارج, والذين لهم دور رئيسي في
العمل, أسابيع في عمان, دون أن يعطيه ساعة من وقته.
أما أحمد جمال
فواقعي, دقيق النظرات لماح, قادر على أن يطرح أفكارا, لكن أصبح بينه وبين بعض
الأخوة في القيادة حساسيات فيما بعد. ولقد استطاع أن يحمل عبء أعظم قضية وقتذاك,
وهي القيام بشأن المهاجرين إلى عمان, كما قام بشأن الجانب المالي مع ذلك في مرحلة
لاحقة.
أما أديب الجاجي فقد
كان أدقنا في رؤية الخطأ, وأبصرنا في الجوانب النظامية, مع قدرة كبيرة على العمل
المتواصل.
أما محمد الحسناوي
فقد كان يملك أن يقدم شيئا طيبا في أي مناقشة, ولقد تحمل العبء الإعلامي واستطاع
أن ينجز فيه إنجازا كبيرا.
أما أبو زياد فقد كان
يعمل بدأب, ويغلب عليه عدم الارتياح لتصرفات الأخوة ولطريقة العمل, وكان يغلب عليه
الصمت.
وأما عبد الملك علي
فقد أصبح مسؤولا عن أوروبة واستطاع أن ينجز الكثير, وأخيرا استقر عمله في أوروبة
وقدم استقالته من القيادة.
استطاعت القيادة في
المرحلة الأولى أن تحتفظ على وحدتها, واستطاعت أن تنجز الكثير, وكان لأبي عامر دخل
في كل إنجازاتها.
كان عملنا في الأردن
يأخذ طابعا سريا, وكثيرا ما استأجرت بيوت أو عشت في بيوت بعض الأخوة تخوفا من
المفاجآت وأخيرا داهمت المخابرات الأردنية بيوت بعض الأخوان, واعتقلت أديب الجاجي,
ومحمد الحسناوي وعبد الملك, وكان قادما من مركز عمله في أوروبة, وأحمد جمال وعبد
الله سلامة, وأخا يعمل في الإعلام نسميه أبا حمزة, ولم يبق من القيادة دون اعتقال
إلا أبي عامر, وعلي البيانوني وسعيد وأبا زياد, فتابعنا العمل, واستمرت محنة
الأخوة أكثر من شهرين, ثم بدأ الإفراج عنهم بعد وساطات, ولم يخرج آخر واحد منهم
إلا بعد أن جرى حوار بيننا وبين بعض المسؤولين الأردنيين.
وكان طلب الأردنيين
من هؤلاء أن يخرجوا مباشرة من الأردن, لذلك قدم أحمد جمال استقالته من القيادة,
وقبلت استقالته لذلك, وكان هو وعبد الملك أول الخارجين من الاعتقال, وقدم أديب
والحسناوي استقالتهما بعد خروجهما, لكن الضغط كان قد خف, فرفضت استقالتهما وبقيا
في القيادة.
وهنا حدثت أزمة, فقد تابعت
بعد اعتقال الأخوة بعض الأمور, وكنت راغبا أن يبقى أحمد جمال لمساعدتي فيها, وكان
رأي أكثرية الأخوة في القيادة أن يخرج الشيخ أحمد خارج الأردن, وكنت أناقش بهدوء,
وإذا بأحدهم يهجم على أحمد جمال هجوما ويتهمه اتهامات باطلة, مما أثارني وخرجت من
الجلسة غاضبا, معلنا أنني لن أبقى في العمل, لكن الأخوة تلافوا الأمر بعد قليل,
وسوي بإبقاء الأخ أحمد في دائرة العمل, لكنه بعد فترة عزفت نفسه وقرر السفر.
كان عبد الله
الطنطاوي قد خرج من السجن بعد مفاوضة كان فيها الوسيط أمين يكن, واستقدمناه إلى
عمان, وكنت أعتبر من الوفاء ومن الأدب أن يعود إلى القيادة, قدمت استقالتي ليحل
محلي, لكنه دخل القيادة حالا محل عبد الملك, وكان يتألم من أسلوب علي البيانوني
معه, ومع ذلك فإن القيادة كانت تسير, وكان لمواقف أبي عامر دخل في هذا السير, لقد
كان أبو عامر يمتلك قدرة هائلة على الهجوم, لكنه كان قادرا على أن يسيطر على
أعصابه في أي موقف يمكن أن يؤدي إلى انفجار.
كانت أعمالنا أكبر
بكثير من قدراتنا, وكان الحل إما في وجود الأجهزة أو في توسعة القيادة, وكان هذا
مرفوضا وهذا مرفوضا, فعلي البيانوني لا يعجبه الموجود ولا يعثر على المفقود,
والنظام يحدد عدد أعضاء القيادة فلا يصح أن يزيدوا على ثمانية بمن فيهم المراقب
العام, ولقد أحصى أديب الجاجي مرة الأعمال المطلوبة من القيادة فبلغت ثمانية عشر
عملا, فلما بدأنا نتوزعها وصلنا إلى الرقم عشرة, وبقي الباقي لا يستلمه أحد, كانت
الأعداد القادمة إلى عمان تزداد والأعمال تتوسع, والهيكل الإداري عاجزا وناقصا, لم
تكن المجموعة تنطلق على رؤية واضحة المعالم, في إدارة المعركة أو في بناء
المستقبل, لكن هذا النقص كان يغطى من خلال قوة المبادرة لدى أبي عامر, وكثرة
الحلول التي يطرحها سعيد, ودقة أبي الطاهر في اكتشاف الخلل, ودأب الأخوة في العمل.
لكن هذا يخدم ضمن
حدود, لذلك كانت الأزمة تظهر شيئا فشيئا, ولقد حدد أديب الجاجي الأزمة في بعض
جلسات القيادة في ثلاث نقاط :
1-
عدم
الانطلاق على ضوء رؤية واضحة.
2-
عدم
وجود الأجهزة, وعدم وضوح الرؤية في آلية العمل.
3-
العلاقات
فيما بين أعضاء القيادة.
واتفقنا يومها على أن
لا نبحث إلا في هذه الشؤون, وفعلا شكلنا جهازا عسكريا, وجهازا ماليا, وكان عندنا
جهاز إعلامي, وجهاز تربوي, ثم توقف الاندفاع, وكانت مباحثات الوفاق قد بدأت.
وفي الفترة التي خرج
فيها أحمد جمال من القيادة, دخل على خط العمل معنا الشيخ منير الغضبان, وكنا
نستشعر أن دمشق غير ممثلة في قيادتنا, لذلك اقترحت أن يدخل الشيخ منير في القيادة,
ووافق الجميع على ذلك, ولكن بسبب من معاملات معقدة تأخر التحاقه بنا.
واستطاع أن يهضم
الوضع بسرعة, وأن يشارك بقوة, ولكنه كان يفتقد وضوح الرؤية الشاملة, وأدخل نفسه
بعد ذلك في معادلات القوة داخل الجماعة.
كان واضحا أن هذه
القيادة على كل إنجازاتها وعلى كل إيجابياتها, لا تستطيع أن تنهض بعبء الثورة
والجماعة والدولة, وكان هذا عاملا من عوامل اندفاعنا في قضية الوفاق, على أمل بأن
يوجد وضع أكثر قوة للثورة والجماعة, ولمستقبل دولة إسلامية في سورية, وكان هذا هو
الخطأ التاريخي لقاتل, فلقد أدخلنا الثورة والجماعة والدولة في متاهات الضياع بسبب
هذا الوفاق, صحيح أن نياتنا كانت صالحة, ونحن مؤمنون أن الله لا يضيعنا جل جلاله,
فنحن جنده, ولكن أن نضع أمور الثورة والجماعة والدولة بيد غير أهلها فذلك خطأ
تاريخي لا يصح أن يكرره المبصرون.
كان محمد الحسناوي لا
يصوت إلا حيث يكون أبا أنس, ولا أذكر أنه صوت خلاف ذلك إلا مرة واحدة في قضية
بسيطة، وكان الطنطاوي دائم الألم والسكوت, وكثيرا ما يفر من التصويت ، وكان أديب
الجاجي يحاول أن لا يبتعد كثيرا عن آراء أبي عامر مع التمحيص ، وكان الشيخ منير
يسدد ويقارب في القضايا المطروحة أمامه دون النظر إلى الخلفيات أو الاحتمالات ،
وكان أبو زياد يصوت حيث استراح ضميره مع عدم ارتياح لمجريات الأمور، وكنت قليل
الكلام في القضايا الروتينية التي لا يترتب عليها ضرر، كثير النقاش فيما أعتبره
ضارا أو إذا كان له علاقة بالمسرى الذي ينبغي أن تصب فيه الأمور ، كانت هذه
القيادة بمجموعها أقوى قيادة مرت على الأخوان المسلمين في سوريا ، ولو استطاعت أن
تحافظ على وحدتها وتماسكها وإن اختلفت اجتهاداتها لكانت قادرة على أن تفعل الكثير
، ولكن تغير قلوب بعضها على بعض وغلبت المماحكات عند بعض أفرادها يكاد يكون قد
أودى بالجماعة والثورة والدولة ، لذلك كانت هذه التجربة عندي مؤثرة على طريقة
تفكيري وعلى طريقة تعاملي ، وعلى قراري في شأن المستقبل.
الفصل الثالث عشر :
في الوفاق وقيادته.
ذكرنا أنه في أول
اجتماع لمجلس شورانا بعد قرار المواجهة قدمنا له ورقة عمل ذكرنا فيها توحيد فصائل
الأخوان المسلمين وإيجاد الجبهة الإسلامية ، وإيجاد جسور مع أفراد في الاتجاهات
السياسية في سوريا ، وفي الأصل لم يبق في سوريا إلا جهتان تسميان أنفسهما باسم
الأخوان المسلمين : مجموعتنا التي تعتبر هي الممثل الشرعي للإخوان المسلمين في
سوريا في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، ومجموعة عصام العطار ، ولكن ظهور
عدنان عقلة على الساحة أوجد طرفا ثالثا هم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين في
سوريا ، وكان الحوار ساخنا مع عدنان عقلة عندما كان في الداخل كما ذكرنا.
كانت مجموعة عصام
العطار في رموزها ليست مؤمنة بالمواجهة ولا بالمعركة ، ولذلك وقفت ضد المعركة بشدة
، ولكن ضغط قواعدهم من جهة وتفلت الكثيرين من هذه القواعد والنجاحات التي حققتها
الثورة ؛ كل ذلك ألان موقفهم ورغبوا في فتح حوار ، وجاء زهير الشاويش إلى عمان
ورغب بعض الوسطاء منهم أخوة أردنيون أن نلتقي فاجتمعت به ليلة كاملة واتفقنا أن
يبدأ حوار رسمي بين ممثلين من طرفهم وممثلين من طرفنا ، واتفقنا أن يبلغ كل منا
أبا ماجد عن رأي أخوانه في هذا الموضوع ، كان رد الفعل عنيفا عند أبي عامر ضد هذا
، لأنه يعلم أن كبار صفنا لا يستطيعون أن يقبلوا فكرة الحوار مع زهير الشاويش،
لأنه طبع عددا من الكتب وطبع مقدمة لكتاب تهجم هو والشيخ ناصر الألباني على الشيخ
عبد الفتاح أبو غدة بما لا مزيد عليه ، والذي أعلمه أنه لم يبلغ هو أبا ماجد شيء ،
بل سافر إلى ألمانيا مباشرة فطوي الموضوع.
وجاء بعد فترة إلى
عمان وضمنا مجلس عام عند أبي ماجد, فلما انفض المجلس وقف مع أبي ماجد على الباب,
ورغب أن ننضم إليهما وفتح الموضوع, رغبت في العودة إلى بيت أبي ماجد فدخلنا وبدأ
الحوار. وسمعنا منه أفكارا عجيبة من مثل أن الواحد من صفهم يعدل الخمسين أو
الثمانين من صفنا, وقال ما هو أشد من ذلك مما دلنا على أنه يريد أن يفتح حوارا
معنا لمجرد أن يقول لأخوانه نحن في حوار مع الجماعة, فيثبت بذلك صفه.
كان كلامنا واضحا
وصريحا, وهو الذي كنا نكرره دائما للجميع, نحن على استعداد لكل شيء بشرطين,
الاستمرار في المعركة ضد حافظ أسد, والالتحاق بالتنظيم العالمي, وكان كل من
القضيتين جوهري عندنا, فالمعركة وحدها هي التي توحد الصف, ونحن مكرهون عليها, ودعم
التنظيم العالمي وحده هو الذي يساعدنا على الاستمرار في المعركة والوصول إلى نتائج
إيجابية في المستقبل, وهو وحده الضمان لاستمرار إسلامية المعركة, لأنه كنا نخشى
أنه كلما كثر تساقط الشهداء أن يتقدم الصف من ليس منصهرا بالإسلام وكانت تجربة
الثورات التي بدأت إسلامية وانتهت علمانية واضحة لدينا.
كانت وحدة المقاتلين
في الداخل ووحدة القيادة الميدانية ضرورة لا خيار لها, وإلا فإن العمل المسلح لجهة
قد يؤثر على أمن الجهة الأخرى, ولذلك كثر الضغط علينا وعلى غيرنا بأنه لا بد من
وفاق, وبدأ الأخوة في الداخل يطرحون مشاريع لهذا الوفاق, وكان مندوبنا خالد الشامي
الذي استطاع أن يكسب ثقة الجميع عاملا مؤثرا في الدفع نحو الوفاق.
وبدأ أبو عامر حوارا
مع حسن هويدي أحد رؤوس مجموعة عصام العطار, بل كان نائبا له في الغالب ومفوضا في
الحوار معنا, وبعد أخذ ورد اتفق على موعد لإجراء الحوار الرسمي في موسم الحج 1401,
وذهبنا إلى الحج, وفوضت القيادة أبو عامر والشيخ سعيد, ومنير الغضبان, على أن يكون
معهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بالوصول إلى اتفاق, مع ملاحظة أن الاتفاق من
الناحية النظامية لا يسري على صفنا إلا إذا أقره مجلس شورانا, ولكنا كنا مطمئنين
للنتيجة, ورفض الشيخ عبد الفتاح المشاركة في المفاوضات, وقال أنا لا أدخل في هذا
المدار, وأخيرا اجتمعنا في المدينة المنورة, كان عن طرف عصام, حسن هويدي, والشيخ
محمد مشعل, والدكتور محمد هواري, وسبق هذا الاجتماع مكالمة هاتفية مع عصام العطار
لطفت الأجواء, وطلبنا من عصام في هذه المكالمة أن يأتي فاعتذر وأبلغنا أنه سيرسل
الدكتور الهواري.
تكلم الجميع : تكلم
بعضهم عن أزمة الثقة, وتكلم بعضهم عن ضرورة الوفاق, وأخيرا تكلمت فقلت أن أزمة
الثقة كانت من أوهامنا, والحكم الشرعي, وضرورات المعركة تفرض وحدتها, وأن الناس لا
يحتملون تفرقنا, والذي أراه أنه لا بد أن تأخذ كل جهة محلها في الهيكل التنظيمي.
هناك التنظيم العالمي
للإخوان, وهناك التنظيم السوري, وهناك الجبهة الإسلامية, فأنا أقترح الشيخ عبد
الفتاح, رئيسا للجبهة, ونائبه الشيخ محمد علي مشعل, وأن يكون الدكتور حسن مراقبا
عاما, وأبو عامر رئيسا للمكتب التنفيذي في سورية, وأن يكون عصام العطار أحد ممثلي
سورية في التنظيم العالمي. ونحن ندعم ترشيحه ليكون في مكتب الإرشاد.
لقي هذا الكلام قبولا
مبدئيا واتفقنا على متابعة الحوار, وأصر الدكتور الهواري أنه لا بد من استشارة
الأستاذ عصام, وأبلغنا فيما بعد أن الأستاذ عصام بارك هذه الخطوات.
وفيما بعد انتهاء
أعمال الحج, اجتمعنا في جدة, وكان جوا عاطفيا مؤثرا, لذلك لم يلبث الاجتماع إلا
قليلا حتى تمخض عن اتفاق تشكل بموجبه قيادة لحركة الأخوان المسلمين في سورية, خمسة
منا عيناهم مباشرة, وخمسة منهم طلبوا منا مهلة لتحديد غير المحدد, لأن حسن هويدي
ومحمد الهواري محددان, واتفق أن يدخل منير الغضبان في القيادة كعضو حيادي, وكان من
المفروض أن يكون نصيب المراقب العام للدكتور حسن هويدي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق